الاتحاد- هاجم التيار الديني في إيران والعراق، كما في أماكن أخرى، «الحضارة الغربية»، وانتقد «مشاكلها وانحرافاتها» في كتب وخطب لا حصر لها، وركز بالطبع على «انحلال الأخلاق، وضياع الأجيال، وتفشي الأمراض الجنسية والمخدرات بين شباب أوروبا وأميركا». من قيادات الجماعات الإسلامية، ومفكري التشيع السياسي المعروفين في العراق، السيد «هادي المدرسي»، الذي برز نشاطه في الأزمة البحرينية وغير ذلك. «المدرسي» من مواليد مدينة كربلاء العراقية 1957. لـ«المدرسي» كتاب بعنوان «الإسلام في مواجهة الجاهلية»، بيروت 1985، وصف فيه حضارة الغرب بكل عبارات التردي والانحطاط، وسلط الأضواء على مشاكل حياة الناس في دول أميركا ومجتمعات أوروبا، وعقد المقارنات بين هذه الحضارة المتعفنة والبديل «الإسلامي» الذي تعد به مختلف الجماعات، وعلى رأسها بالطبع التجربة الإيرانية.
«المدرسي» وقف في فصول الكتاب عند ظاهرة انتشار المخدرات في مدن الغرب وبلدانه. ومن الأمثلة التي أوردها، «في باريس ألقت طالبة طب (22 سنة) نفسها من نافذة شقتها بعدما فشلت في الحصول على جرعتها المعتادة من الهيروين». وفي ألمانيا قال، «أجرى ثلاثة أطباء استطلاعاً بين طلاب جامعة «بون» لمعرفة مدى تفشي تعاطي المخدرات. وقد تبين لهؤلاء الأطباء أن من بين كل خمسة طلاب يتعاطى واحد منهم أنواعاً من المخدرات، ويأتي طلاب كلية الطب في المقدمة يليهم طلاب اللاهوت». ما هي أسباب نمو هذه الظاهرة في الغرب؟ أجاب «المدرسي» توفر المخدرات، الحُشَرية- أي محاولة الاستكشاف-، الوسط- أي الصجبة، القلق، ارتفاع نسبة البطالة!
«المدرسي» ذهب إلى أنَّ هناك بعض الأسباب الأخرى التي تتعلق بطبيعة المجتمعات الأوروبية اليوم، يلخصها أحد الأطباء الفرنسيين بقوله: «عدد الأهل غير الجديرين بالاحترام يتزايد يوماً بعد يوم. الأبناء يرغبون بالابتعاد عنهم، فيقعون في حبائل المشردين وحَمَلَة الجيتار المتجولين»!، ويقول طبيب فرنسي آخر: «نحن لا نعرف السعادة في مجتمعنا. المخدرات هي وسيلة للحصول على السعادة الضائعة. وعندما نتعاطاها مرَّة ندرك أن لا شيء في العالم يستطيع أن يمنحنا سعادة مشابهة»! الأهم من ذلك كله، كتب «المدرسي» «أن أوروبا تعيش الفراغ الروحي، ولذلك، فهي تحاول التعويض.. إن أوروبا اليوم تعيش الجسد فقط، وتهتم بالجسد، وتشبع الجسد، ولذلك فإن خيرة أبنائها يهربون لإشباع الروح إلى الحشيش والمخدرات، كل ذلك، بالإضافة إلى التفكك العائلي والإباحية وحالة اللاالتزام التي يعيشها الإنسان الأوروبي». بعكس هذا كله «المجتمع الإسلامي الملتزم، فهو مجتمع أسري لا يوجد فيه تفكك عائلي، ومجتمع تعاون فلا توجد فيه بطالة، ومجتمع وسط، فلا يوجد فيه الاهتمام بالجسد دون الروح بالعكس، ومجتمع محبة وعواطف، فلا يوجد فيه فراغ عاطفي لدى الأفراد، وهو لذلك يعيش السعادة، ويعيش الحب الحقيقي». (ص 168(
منذ أعوام والمسؤولون في إيران يستغيثون معترفين بمشكلة إدمان قطاع واسع من الشباب للمخدرات وما يرافقها من انحرافات أخلاقية ومشاعر ضياع، فهل طالع «هادي المدرسي» هذه التقارير والأخبار؟ وهل لديه أو لدى غيره من تفسير لها، بعد كل هذه السنوات من «الثورة الإسلامية»؟ أحد آخر هذه التقارير نشر في الصحافة الإيرانية، حيث حذرت صحيفة «أرمان» الإصلاحية من تفاقم المشكلة مؤخراً. تقول صحيفة الشرق الأوسط، 05 - 12 - 2015: «في الوقت الذي تتزايد فيه نسبة المصابين بالإيدز في دولة إيران بسبب انتشار الإدمان والبغاء، أقرت مسؤولة مكافحة الإيدز في وزارة الصحة الإيرانية، «مينو محرز»، بأن نسبة الإصابة بين النساء تضاعفت 10 مرات عمَّا كانت عليه مؤخراً، ودعت إلى تعقيم الفتيات المشردات اللائي يقمن علاقات جنسية لتوفير المال اللازم لشراء المخدرات، لتجنب تسارع انتشار المرض بحسب ما نشرت صحيفة «أرمان» الإصلاحية.
وحذرت الصحيفة الإيرانية، في تقرير لها أول من أمس، المسؤولين الإيرانيين من وجود كارثة قادمة للبلاد، وذلك بعد انتشار المدمنين في الحدائق والمتنزهات ورواج تعاطي المخدرات بين الأطفال والشباب لحد توزيعها أمام المدارس، الأمر الذي يسهم في انتشار الإيدز عن طريق الحقن الملوثة. وأضافت الصحيفة عن مسؤولة مكافحة الإيدز في وزارة الصحة الإيرانية، أنه وفق تقارير الوزارة، «هناك نحو ثلاثين ألف مصاب بالإيدز». وكانت التقارير الرسمية قد أعلنت عن إصابة 28 ألف شخص بنفس الداء العام الماضي، حيث أضافت المسؤولة: «هناك حركة صعودية قوية بسبب انتشار المخدرات ووسائل الاتصال الجنسي، والأخيرة تسببت في تضاعف إصابة المرأة الإيرانية عشر مرات».
المسؤولة الإيرانية «مينو محرز» بيَّنت أن العاصمة طهران «تحوي 500 سيدة مشردة في الشوارع، تقوم بالعلاقات الجنسية لأجل توفير المال الكافي لشراء المخدرات، وهن لا يملكن أي فكرة عن طرق انتقال العدوى، ولا يفكرن إلا في المال، وتابعت: «بعضهن ينجبن أطفالاً مصابين بالإيدز، وفي ظل هذه الظروف جعلهن عقيمات حل مناسب لمنع انتشار العدوى». التقارير الرسمية تشير كذلك إلى انتشار العدوى «في المرحلة العمرية بين 25 حتى 45 عاماً من الرجال والنساء».. وهؤلاء بالطبع جيل الثورة. ألا تستحق هذه المشكلة كتاباً جديداً من السيد «هادي المدرسي»؟