الرياض- أحد نجاحات ايران المهمة هو صناعة حزب الله وشراء خدمات حماس الدعائية، او بصورة اكثر مباشرة اختارت الانفراد بالقضية الفلسطينية وانتزاع شرفها من الحكومات العربية التي انشغلت في خيار التفاوض، ما ادى الى اعطاء القاهرة الرعاية التامة لعملية السلام، وهذه الاخيرة بسبب التعنت الاسرائيلي وميلها للحفاظ على مكتسبات اتفاقيات السلام، افتقدت القدرة على المناورة والمقاومة، وعندما جاءت حماس للسلطة نتيجة انتخابات 2006 تضخمت ورطة القاهرة.. من جهة ان حماس اصبحت حكومة وليست حركة مقاومة ممكن ان تسحب منها الشرعية السياسية، ومن جهة أخرى ان اسرائيل والولايات المتحدة الاميركية لم تعترفا بهذه الحكومة المنتخبة (شركائها في السلام)، فظروف القاهرة الداخلية والدولية ليست مهيأة للتعامل من حكومة حماس المنتخبة، فأعلنت القاهرة منذ البداية عن عدم الاعتراف بحماس او التعامل معها، حيث قال وزير خارجية مصر آنذاك احمد ابوالغيط: "لن نقبل بوجود دولة اسلامية متطرفة على حدودنا".
فكان الرفض المصري بالاعتراف بحركة حماس هو بداية خسارة الحكومات العربية لاهم سلاح قومي معنوي يحميها من اختراقات طهران والانتقادات الشعبية العربية، فالقاهرة كانت في القضية الاسرائيلية هي دولة راعية واقصد القاهرة الرسمية وليست الشعبية، وهذا الدور تطلب منها دفع الرئيس ابومازن لاعادة شرعية فتح، ومنع شرعية حماس، فجاءت لاول مرة في تاريخ القضية الفلسطينية ان يكون لها شرعيتان، واحدة مقاومة لشرعية فتح وخيار التفاوض الذي تدعمه مصر، والثانية تحظى بدعم مصر وتؤمن بخيار التفاوض، هذا الانقسام الحاد جعل العرب بين حيرتين اما خيار حماس المقاوم المدعوم من طهران، او خيار فتح المدعوم من مصر.. ومن الطبيعي جدا ان يخسر فريق التفاوض بسبب عدم جدية العدو الصهيوني وحليفه الاميركي. وسط هذا التخاذل الكبير حضرت دولة الملالي لاسبابها السياسية الخاصة في قضية العرب الاولى، وحرصت الا يكون لها شريك في دعم مقاومة حركة حماس، واتضح ذلك في الحرب الاسرائيلية على غزة عام 2008، التي خسر بها العرب والفلسطينيون دماء وارضا وسياسة، وكسبت طهران وتل ابيب مغانم سياسية كبيرة تتمثل باطلاق يد اسرائيل في معاقبة حماس متى ما رأت انها تشكل خطر عليها، وطهران صنعت لها رصيدا شعبيا في اغلب البلدان العربية وهذا ما كانت تعمل له.
الفرصة اليوم متاحة امام العرب لسحب هذا الملف المهم من الرعاية الفارسية التي استغلته أسوأ استغلال، فالاتفاق النووي ما كان له ان يتم لو لم تسل دونه دماء فلسطينية، فقد كانت طهران بسبب التحالف مع حماس هي اهم دولة ممكن ان تهدد أمن اسرائيل او تحميه، وهذا شيء مهم لاسرائيل وواشنطن، فعندما قدمت الضمانات الايرانية بعدم تهديد امن اسرائيل وافقت هذه الاخيرة على الاتفاق النووي وسحبت تهديدها في ضرب المنشآت النووية الايرانية، المقايضة بالدم العربي في سبيل تحقيق المصالح الايرانية اصبح من المفاهيم المعتمدة في السياسية الاقليمية.. العرب امامهم فرصة كبيرة فحماس غادرت مقرها في دمشق بسبب اعتراضها على سياسة الاسد، وحزب الله داعم لهذه السياسة، وبهذا نكون امام وضع جديد إن تم استغلاله خسرت طهران قوة معنوية مهمة لها، وكذلك خسرت دما عربيا تقايض مصالحها به.