انفجار غير مسبوق يهز منطقة الشرق الأوسط، ويزعزع الكثير من أركانها، ويضع مصر فى موقف بالغ الصعوبة لم تواجه مثله من قبل فى تاريخها الحديث. ولذلك أصبحت الإحاطة بتعقيدات هذا الموقف بأكبر قدر ممكن من الدقة- ضرورة لتحديد اتجاهات السياسة الخارجية المصرية فى مرحلة تزداد فيها كل يوم المؤشرات الدالة على أنها تختزن مزيداً من الفصول الدموية. وليست عملية «عاصفة الحزم» العسكرية فى اليمن إلا فصلاً فى مسلسل صراعات داخلية وحروب إقليمية بالوكالة، آخذة فى التوسع فى مختلف أنحاء المنطقة. ولذلك لم يعد السؤال الآن عما إذا كان الوقت قد مضى لوضع حد لهذه الحروب. فقد فات بالفعل الوقت الذى كان ممكناً فيه السعى إلى محاصرتها ومحاولة إنهائها فى مدى زمنى قصير أو معقول. وأصبح واضحاً أن الاضطراب فى الشرق الأوسط سيتواصل لسنوات طويلة قادمة. وقد يستمر لفترة تفوق معظم التوقعات الراهنة. وإذ لم يعد سؤال الزمان مطروحاً فى هذا السياق، فقد أصبح سؤال المكان هو ما ينبغى أن يشغلنا سعياً إلى توقع المدى الذى سيبلغه توسع الحروب وفصولها القادمة، واحتمالات نشوب صدامات إقليمية مباشرة بين بعض دول المنطقة على نحو يتجاوز حالة الحرب بالوكالة. ويتضمن هذا السؤال الكبير المركب فى طياته أسئلة عدة ينبغى أن نقف أمامها، ونحن نسعى إلى توقع الفصول القادمة فى حروب المنطقة لكى نحدد سبل إدارتنا الأخطار المقترنة بها والمترتبة عليها. وتنطوى أربعة من هذه الأسئلة على أهمية خاصة فى اللحظة الراهنة، وهى: أولا: كيف ستدير إيران الصراع الذى أشعلته فى اليمن عبر جماعة «أنصار الله»، بعد أن دخل هذا الصراع مرحلة جديدة سيكون لها ما بعدها؟ فهل ستكتفى بمواصلة تقديم دعم عسكرى ومالى غير معلن لهذه الجماعة، أم ستأخذ خطوة أبعد عبر مساندتها بشكل صريح على النحو الذى فعلته مع أذرعها الأخرى فى العراق وسوريا، ومن قبل فى لبنان؟ ولكن الشق الأكثر أهمية فى هذا السؤال يتعلق بكيفية تصرف إيران فى حالة عجز أتباعها فى اليمن عن الصمود فى مواجهة «عاصفة الحزم». فهل تنصحهم فى هذه الحالة بأن يُحنوا ظهورهم للعاصفة مؤقتاً، مثلما فعلت مع أتباعها فى البحرين حين جرفتهم «عاصفة» أخرى لم تحمل هذا الاسم شنتها قوات «درع الجزيرة» فى إطار مجلس التعاون الخليجى، أم تغامر بتدخل عسكرى مباشر لا بد أن يكون فى هذه الحالة أكبر وأوسع مما تقوم به فى العراق وسوريا، الأمر الذى يجعلها فى حالة حرب إقليمية صريحة للمرة الأولى، منذ أن وضعت الحرب العراقية- الإيرانية أوزارها؟ وإذا كان سيناريو مثل هذه الحرب يبدو بعيداً فى اللحظة الراهنة، فهذا لا يكفى لاستبعاده كلية فى لحظة تالية بسبب الارتباط الوثيق بين معظم التفاعلات الصراعية فى المنطقة. ثانيا: هل تجد تركيا فى الأجواء المحيطة بعملية «عاصفة الحزم» فى اليمن ما يغريها بالسعى إلى تحقيق مشروعها لإقامة «منطقة حظر جوى» على حدودها مع سوريا لتضييق الخناق على نظام بشار الأسد أو ما بقى منه وله؟ وإلى أى مدى يمكن أن تتجاوب دول أخرى فى المنطقة مع هذا المشروع إذا حسمت أنقرة أمرها، وتجاوزت ما بدا من تردد ظهر فى اكتفائها بطرحه، دون إلحاح عليه أو تحرك جاد من أجله؟ ولعل أهم ما يثيره هذا السؤال حينئذ هو كيفية تعامل المملكة العربية السعودية مع المشروع التركى فى ضوء موقفها الذى لم يتغير ضد هذا النظام، والذى أعاد الأمير سعود الفيصل تأكيده فى قمة شرم الشيخ من ناحية، وتقديرها لنوايا أنقرة وأهدافها الحقيقية وما يمكن أن يترتب على تدخلها عسكرياً فى سوريا من ناحية ثانية. ثالثا: إلى أى مدى يوجد أساس للتوقعات التى تذهب إلى أن حكومة نتنياهو الجديدة الجارى تشكيلها الآن ستكون «حكومة حرب»؟ وما مدى دقة التقديرات الواردة فى دراسات لمراكز تفكير إسرائيلية مهمة مثل «معهد دراسات الأمن القومى» فى تل أبيب الذى أصدر بحثاً مهماً أعدته الباحثة، أوريت بارلوف، يخلص إلى ترجيح نشوب حرب جديدة؟ وهل تكون الحرب الإسرائيلية القادمة فى داخل سوريا، وتحديداً فى «جبهتها الجنوبية» حيث يتوسع حضور قوات الحرس الثورى الإيرانى وحزب الله وميليشيات شيعية متعددة الجنسيات، وهو ما دفع إسرائيل إلى شن الهجوم الذى قُتل فيه الجنرال الإيرانى محمد دادى وعدد من قادة حزب الله فى 18 يناير الماضى؟ رابعا: ما الاحتمالات الواقعية لتفعيل الروح العربية الجديدة التى ظهرت فى قمة شرم الشيخ، والبناء على ما تم التفاهم بشأنه فيها، رغم وجود خلافات معروفة تجاه مختلف القضايا المتعلقة بحروب الشرق الأوسط المشتعلة منها حالياً والمتوقع اشتعالها مستقبلاً؟ وإذا كان على السياسة الخارجية المصرية أن تصل إلى أدق إجابات ممكنة عن الأسئلة الثلاثة الأولى، كى تُحسن إدارة الفصول القادمة فى مسلسل حروب المنطقة، ففى إمكانها أن تقوم بدور رئيسى فى صنع الإجابة عن السؤال الرابع بطريقة تجعله الأكثر أهمية فى تحديد ما ستنطوى عليه هذه الفصول، والأشد تأثيراً فى مستقبل المنطقة بوجه عام.