الاتحاد - هل كان للنظام الإيراني أن يستمر في تدخله في الشأن العربي «لو» لم يجد مواقف سياسية عربية «مرتعشة» أو مترددة؟ وهل كون النظام الإيراني يعتنق المذهب الشيعي يتيح له أن يُخرج مواطنين خليجيين من وطنيتهم، ويعطي لنفسه الحق في التحدث عنهم؟!هذان السؤالان تثيرهما التطورات السياسية الأخيرة بين السعودية وإيران، وهي التطورات التي تؤكد أن الأزمة متصاعدة، وأنها سوف تؤثر في العديد من الملفات المتأزمة في المنطقة. ولعل ذلك ما يجعل مناقشة السؤالين أمراً ملحاً لفهم طريقة «تفكير إيران» في ناحيتين؛ الأولى هي ناحية التعامل مع الدول العربية بشكل جماعي، ولا شك في أن الحراك الدبلوماسي الذي قامت به الرياض قد فاجأ طهران إلى حد كبير. والثانية تتعلق بحماسة إيران المثيرة للاستغراب والمتمثلة في رد فعلها على عملية إعدام مواطن سعودي (وأنا أعني هنا ما أقول من أن نمر النمر هو مواطن سعودي أولا وأخيراً)، وكأنها بذلك الحماس المفرط تريد أن تثبت للعالم أن الرجل (ومن على شاكلته) كان يخدم أهدافها وأجندتها في المنطقة.
|
|
ربما يعرف أغلب الناس أن «لعبة» إيران في التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية ليست جديدة، لأن أسلوبها معلن في دستور ثورة الخميني، من خلال تعهدها بالعمل على تصدير أفكار هذه الثورة إلى الخارج، وهذا الخارج لن يكون بعيداً عن دول الجوار ومن خلال بعض ضعاف النفوس، لكن اللافت للنظر هو أن تغلغل إيران لم يكن نتيجة للمهارة السياسية، وإنما بسبب تواطؤ البعض مثل نمر النمر وحسن نصر الله، وكذلك بسب المواقف السياسية العربية المترددة التي أعطت إيران جرأة في تعزيز ومواصلة تدخلاتها.النقطة المهمة هنا هي أن العديد من المواقف الإيرانية خلال الفترة الأخيرة كشفت أن خطرها لا يكمن في الخطر السياسي والعسكري فقط، كما يعتقد أغلبنا، وإنما يمتد ليشمل الخطر الثقافي والهوية، وذلك عندما تحاول أن تخرج بعض مواطنين في الخليج من مواطنتهم، لأنهم يختلفون طائفياً عن أغلب أبناء المنطقة، لذا فإن أي مواقف خليجية أو عربية «مائعة» ضد إيران لن تمثل رسالة واضحة لها، ولهذا فإن الإجماع العربي شكّل نقلة نوعية في أسلوب التعامل مع إيران، وإذ خرجت ردود أفعال العرب من المنطقة الرمادية التي تحبذ إيران اللعب فيها إلى المنطقة الواضحة.
ثمة أمران لا يمكن إنكار أن إيران نجحت فيهما بشكل كبير. الأول، أنها خلقت «أزمة دائمة» في دول المنطقة من خلال استغلال العامل الطائفي، وأن دبلوماسيتها استطاعت على مر السنوات إفشال أي محاولة عربية لبناء الثقة ومحاولات الفهم المتبادل، ما جعل المنطقة مهددة بحدوث ما هو أسوأ من حالة التوتر السياسي. والأمر الثاني، أن التاريخ الدبلوماسي يذكر لإيران بأن حرق السفارات واحتلالها من قبل الغوغاء والجماهير «المؤدلجة» صفة لصيقة بنظامها، حتى وإن ادعى الرئيس حسن روحاني الأسف والاعتذار، على اعتبار أن «الباسيج» في إيران لا يتحركون من دون الضوء الأخضر من الحكومة. فبعد احتلال السفارة الأميركية في 1979، وكذلك السفارة البريطانية عام 2011، تكررت الحادثة الأسبوع الماضي مع السفارة السعودية، وبدا أن حرق السفارات «منهج» دبلوماسي إيراني يتطلب موقفاً سياسياً عربياً ودولياً موحداً يُشعر إيران بجرمها. أسف روحاني ذكرنا بقصة من الموروث العربي عندما يأمر الأب أبناءه بمضايقة أحد جيرانه لأنه على خلاف معه، وعندما يشتكي الجار للأب سوء سلوك أبنائه يقوم بنهرهم بطريقة لا توحي بجدية موقفه!
يحسب للسعودية، ومعها بعض الدول العربية ومنها الإمارات، أنها استطاعت أن تستعيد للعرب كثيراً مما فقدوه من مكانتهم وهيبتهم في الإقليم، وخاصة في مواجهة الغطرسة الإيرانية، وتفادي احتمال قوي بأن يأتي يوم تفرض فيه إيران خياراتها السياسية على العرب، مثلما حدث في لبنان الذي رفض التصويت على القرار العربي ضد إيران. في الحقيقة، لم تعد الغطرسة الإيرانية كما كانت قبل عام تقريباً، وعمليات «التمزيق» الداخلي للدول العربية التي تمارسها أجهزتها الاستخباراتية قد تقلصت. رب قائل يقول إن وقائع الحال تؤكد أن الأمور لا يمكن التأكد منها قبل مرور فترة، لكن الرهان دائماً على وعي الرأي العام العربي، الذي أحرج بعض الحكومات العربية المعتادة على التردد في الوقوف في وجه إيران. وإذا كنا قد اختبرنا رد فعل طهران على التعامل معها بشكل ينم عن التردد، فلننتظر كي نرى كيف سيكون موقفها عندما تجد العرب يداً واحدة!