الاتحاد - الأيديولوجيا تدمر الاقتصاد، هذه هي الحقيقة التي لم يستوعبها حكام طهران حتى الآن، إذ ساهم تصعيدهم الأخير مع دول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص والبلدان العربية والإسلامية بصورة عامة إلى تداعيات اقتصادية وتجارية ستزيد من عزلة إيران ومن خسائرها الاقتصادية والمالية المتراكمة بسبب المقاطعة الدولية والعقوبات المفروضة عليها من المجتمع الدولي منذ عدة سنوات. ولكن، ما انعكاسات قطع العلاقات التجارية بين بعض دول مجلس التعاون وإيران؟ ومن هو المتضرر من هذه المقاطعة؟ أولاً لابد من الإشارة إلى أن هذه العلاقات قد تضررت بالفعل بسبب تدخل إيران في الشؤون الداخلية الخليجية، وكذلك التزام دول المجلس بقرارات مجلس الأمن الخاصة بالعقوبات المفروضة على إيران، ليتقلص حجم التبادل التجاري بين الدول الخليجية الست وإيران إلى حده الأدنى لتبلغ حصة إيران 4% فقط من مجموع التجارة الخارجية لدولة الإمارات على سبيل المثال، كما أشار إلى ذلك سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية.
وبالتالي، فإن إيران لا تشكل أهمية تجارية لدول المجلس، إلا أن الأمر مهم بالنسبة للجانب الإيراني المتطلع لإلغاء العقوبات نهاية الشهر الحالي، إذ من المعروف أن الأسواق الخليجية تعتبر منافذ تصديرية مهمة للمنتجات الإيرانية، وبالأخص المنتجات الصناعية والزراعية ومنتجات الثروة الحيوانية والسياحة. من جانبها لن تتأثر دول مجلس التعاون من جراء هذا الانقطاع على اعتبار أن صادراتها لإيران محدودة للغاية، كما أن تجارة إعادة التصدير تراجعت كثيراً لتصل إلى نسبة متدنية من إجمالي إعادة التصدير الخليجية، إذا ما قورنت بمثيلتها قبل عقدين من الزمن.
من جانب آخر، إيران في حاجة ماسة لزيادة التعاون الاقتصادي والتجاري مع دول الجوار، فاقتصادها يعاني بشدة من العقوبات، وعملتها تنهار، ومعدلات البطالة والتضخم في ازدياد مستمر وتسبب معاناة مؤلمة للسكان، حيث يمكن لاستقرار وتنمية علاقات التعاون والسلم مع جيرانها أن تخفف من حدة أزماتها الاقتصادية والمعيشية. لقد كانت إيران ولعقود طويلة مركزاً رئيسياً لسياحة الخليجيين، حيث يتوافد عليها مئات الآلاف منهم سنوياً، وبالأخص في فصل الصيف ينفقون خلالها مليارات الدولارات، إضافة إلى مليارات أخرى من الاستثمارات الخليجية في مختلف القطاعات الاقتصادية الإيرانية، والتي ساهمت في زيادة معدلات النمو وتوفير الكثير من فرص العمل، إلا أن حتى القليل منها الذي استمر سيتوقف بعد التوتر الأخير في العلاقات بين الطرفين.
والحقيقة أن فرص التعاون بين إيران ودول المجلس لا حدود لها، وستعود بالفائدة على الجانبين، إلا أن إصرار قادة إيران على أدلجة سياساتهم ومحاولاتهم تصدير الثورة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربي ومحاولة فرض نظام ولاية الفقيه تقضي على كل هذه الفرص والإمكانيات المفيدة والإيجابية للجانبين، علماً بأنه لا نتيجة ترجى من اتباع مثل هذه السياسة، فدول المجلس تملك من القوة العسكرية والإمكانيات التي تجعلها قادرة على الدفاع عن نفسها، ناهيك عن أن مثل هذا التوجه لا آفاق له بفضل تمسك شعوب المجلس بأنظمتها وأوطانها، مما يتطلب من متخذي القرار في طهران إعادة النظر في سياساتهم الخاطئة والنظر بموضوعية وبراغماتية بعيداً عن التعصب المذهبي، فالمنطق يقول بما أنك فشلت على مدى خمسة وثلاثين عاماً في اختراق النسيج الخليجي، فإنك لن تتمكن من ذلك أبداً. والمنطق نفسه يقول إن وقف التدخلات الخارجية في شؤون الآخرين وانتهاج سياسة التعاون الاقتصادي في العديد من القطاعات المتاحة سيعزز من المصالح المشتركة والثقة المتبادلة ويعود بالفائدة على كل من المجموعة الخليجية وإيران، إلا أن ذلك يتطلب التخلي عن الأيديولوجيا المتطرفة، وانتهاج سياسة حسن الجوار لتعزيز الأمن والاستقرار لكل بلدان المنطقة، وهو نهج ثابت لدول مجلس التعاون الخليجي.