الاتحاد - يتميز القضاء الإماراتي بالشفافية وعلنية جلسات المحاكمات في القضايا المنظورة أمامه، ويسمح بنشر نتائجها ومنطوق أحكامها للرأي العام عبر وسائل الإعلام، الأمر الذي يتيح للمجتمع الاطلاع على نماذج من القضايا للعبرة وأخذ الدروس منها، خاصة في ما يتعلق بقضايا الإرهاب، ومحاولات الجماعات المتطرفة التغرير بالصغار والشباب ممن لا يزالون في سن الدراسة الجامعية وما قبلها.
ولعل كل الآباء والأمهات قد استشعروا هذا النوع من الأخطار، ومن المهم أن تكون الأسرة هي النسق الأول لحماية المجتمع والشباب من الانجرار وراء الأفكار الظلامية، وفي الأسبوع الماضي طالعنا في الصحافة الإماراتية خبراً عن وقائع محاكمة مجموعة من الأفراد من جنسيات مختلفة بتهمة الانضمام لـ«داعش»، ومنهم شاب إماراتي هارب (19 عاماً) حُكِم عليه بالإعدام. وبدل أن يكون على مقاعد الدراسة الجامعية الآن، وقع للأسف ضحية للتضليل والتعبئة الخاطئة، وهذا ما يلفت الانتباه ويدعو لدق ناقوس الخطر، لأن شريحة الشباب مستهدفة من قبل «داعش» وغيره من التنظيمات التكفيرية، يستغرب المرء ويشعر بالألم والحسرة على بعض الشباب الذين يتعرضون للخداع وغسل الأدمغة عبر أساليب وأدوات تجميل العنف والإرهاب. لذلك يجب التركيز على منع انجراف الأبناء وراء الأفكار العدمية التي يخسرون بسببها حياتهم ومستقبلهم!
|
|
وبالطبع هي حالات فردية شاذة، ونحن في الإمارات نثق بوعي الأبناء وبالتدين الفطري والسلوك الأخلاقي المكتسب الذي يحصن شبابنا ويحميهم من الالتحاق بالجماعات الإرهابية، ولدينا أولويات حضارية وتنموية وسباق مع الزمن للانجاز والتميز الذي يقابل بالتشجيع والثناء والدعم، ولا توجد فرصة أمام الإرهاب لاختراق مجتمع الإمارات، لأن المجال متاح لكل مواطن كي يحقق ذاته ويبدع في عمله ويحصد ثمار تعبه وإخلاصه وولائه بجدارة واستحقاق.
ومن المهم الإشارة إلى أن مرحلة ما قبل المحاكمات التي تكشف عن مثل هذا النوع من القضايا الغريبة والنادرة، تمر قبل وصولها إلى القضاء بتحقيقات وتحريات دقيقة، مما يستدعي تثمين جهود الأجهزة الأمنية وعملها على وقاية بلدنا من آفة الإرهاب، وكشفها المحاولات اليائسة لاختراق المجتمع الإماراتي، الذي ينتهج الولاء للوطن والقيادة، ولن يقبل بالتعاطي مع أي مخططات عدائية تحت أي عنوان.
وفي هذا السياق ومع ظهور حالة فردية على صلة بتنظيم «داعش» الإرهابي، كشف عنها القضاء الإماراتي، صار من اللازم الانتباه واليقظة وتفعيل الرقابة العائلية حرصاً على مستقبل شبابنا، ووقايةً لهم من السير في دروب جماعات العنف والإرهاب، كما ينبغي تفعيل مراكز الأبحاث لإنجاز دراسات شاملة تتقصى عوامل وظروف استسلام بعض الأفراد للخطاب المتطرف، وكيفية مواجهة أساليبه وأدواته، ومعرفة جوانب القصور التي تتطلب المراجعة لسد الثغرات وحماية الشباب من التنظيمات الإرهابية.
إن ظاهرة تجنيد الشباب لا تزال تمثل حالات فردية نادرة في الإمارات، لكن تركيز «داعش» على استقطاب هذه الشريحة يتطلب رد فعل جاد من الآباء والأمهات والمؤسسات التعليمية، وصولاً إلى ابتكار برنامج وآلية للعمل على تفقد سلوك الأبناء وصداقاتهم وميولهم الشخصية، ومتابعة نشاطهم الدراسي، لتلافي وقوعهم في شراك المتطرفين الذين اتضح أنهم يعملون بدأب على اصطياد صغار السن لتجنيدهم وتهيئتهم للانخراط في صفوف الإرهاب بالاعتماد على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. ومن المحزن أن تجد شاباً في سن الدراسة الجامعية يتخلى عن كتبه ومستقبله وأسرته وولائه الوطني ليلتحق بجماعات الانتحار والقتل والعنف باسم الدين، رغم أن كل إنسان لديه عقل يعلم أن هذه الجماعات الإجرامية تضر بالدين وترسم صورة بشعة عن العرب والمسلمين.
لقد كان الحديث عن العولمة قبل عقد من الآن ينحصر في الإشارة إلى تداخل الثقافات والانفتاح الاقتصادي وتحول العالم إلى قرية صغيرة، لكن ما لم يكن في الحسبان هو أن تستغل أعتى التنظيمات الإرهابية منجزات العولمة وأدواتها لتجنيد من يخدم توجهاتها المنافية للدين والحضارة والسلام. وتظل هذه القضية بحاجة للتأمل والنقاش لمعرفة المنطق والأسلوب الذي تستخدمه جماعات العنف لاختطاف الشباب وسرقتهم من أحضان أهاليهم.