2016-01-17 

تركيا تحصد ثمار التواطؤ مع داعش

سالم حميد

العرب - لم تكن قوى وأحزاب المعارضة في تركيا على خطأ عندما حذرت حكومة أردوغان منذ وقت مبكر من اللعب بالنار. وكل من تابع أداء السياسة التركية وتعاطفها الواضح مع جماعات العنف بمختلف أشكالها، يدرك جيدا أن النظام التركي وضع نفسه في زاوية ضيقة ومكشوفةوكما يقال لا دخان من دون نار، ولطالما أشارت أصابع كثيرة إلى حكومة أردوغان بالتواطؤ مع المجموعات الإرهابية بأجنحتها المختلفة، سواء على مستوى تنظيم الإخوان الدولي الذي استضافت إسطنبول مؤتمراته ولقاءات قياداته لمرات عديدة، أو على مستوى دعم وتشجيع التيارات الجهادية التي تنحاز بشكل مباشر لخيار العنف، مثل تنظيم داعش والقاعدة وما يتبعهما من فصائل عسكرية وأذرع تنظيمية بمسمّيات يقصد منها التمويه.

 
 
 
 
 

والآن ها هي إسطنبول تكتوي بنار الإرهاب في حادثة ليست الأولى وربما لن تكون الأخيرة، بعد أن سبقتها قبل فترة تفجيرات هزّت مدنا تركية أخرى، وبالتالي لن تكون حادثة الأخيرة سطنبول أول وآخر تبعات ومؤشرات اللعب التركي مع تنظيمات الإرهاب. وطالما بقيت السياسة التركية مستمرة على ذات النهج من التواطؤ والاستثمار المشبوه لجماعات العنف، بذريعة دعم المقاومة السورية، سوف تكتوي مرارا بالنار التي ساعدت على إشعالها عبر حدودها ومطاراتها التي استقبلت أعتى الإرهابيين ويسرت لهم سبل الالتحاق بدولة الخليفة المزعوم المسمّى بالبغدادي.

 

وكما نعلم جميعا فإن أنموذج البغدادي -الذي دعمته تركيا ضمنيا نكاية بالأكراد والنظام السوري- يمثل صورة بشعة تقدم الإسلام بحسب المفهوم الداعشي باعتباره معاديا للأقليات والآثار والحضارة والتعايش بين البشر. كما يمثل تنظيم داعش الذي دعمته وساندته تركيا أردوغان طوال الفترة الماضية بؤرة لجذب من يعشقون القتل وسفك الدماء واستحلال أرواح البشر وأموالهم والترويج لأسواق النخاسة والعبودية في هذا العصر.

 

من الناحية الإنسانية لا يملك المتابع إلا أن يتعاطف مع الشعب التركي الذي أقحمته حكومته الموالية للتيارات المتطرفة في مأزق مواجهة العنف والاكتواء بناره. ويتضح أن النظام التركي ظلّ يصمم على تجنيد إمكانياته لدعم كافة أشكال حركات الإسلام السياسي، بما فيها الحركات الإرهابية التي تتعاطى ممارسة العنف بشكل مباشر وتبرر له على طريقتها. أما المسألة السورية التي كانت مدخلا لتجميع الإرهابيين من كل مكان فهي حصان طروادة في نظر حكّام تركيا، وعلى السوريين أن يدركوا هذه الحقيقة.

 

وإذا كان دعم نظام حزب العدالة والتنمية لجماعة الإخوان يتمثل في الاستضافة والإيواء والجوانب الإعلامية، فإن دعمه لداعش والقاعدة يتجاوز ذلك بكثير، ويصل إلى حد التغاضي عن توافد العناصر الإرهابية إلى تركيا التي ينتشرون منها إلى سوريا والعراق للالتحاق بمشروع الخلافة الداعشية. ويبدو أن في هذا الحلم الفاشل كان يغازل طموح أردوغان وحزبه الذي يحاول أن ينافق الجميع، بمن فيهم دول الاتحاد الأوروبي، فتجده يوجّه للأوربيين خطابا يتحدث فيه عن محاربة الإرهاب، بينما يقدم في الواقع لجماعات التطرف بكل أصنافها تسهيلات لا تجدها في أيّ مكان في العالم، لدرجة أن أحد أقطاب الإخوان المتأسلمين يعتبر أن تركيا دولة الخلافة الإخوانية، التي أنقذت تنظيم الإخوان ودعمت كل من يشبههم ويتفق معهم من جماعات الإسلام السياسي!

 

والآن بعد التفجير الأخير الذي وقع في إسطنبول، بات من الواضح أن النظام التركي يحصد ثمار ما زرعه وتعهده بالرعاية والتسهيلات اللوجستية طوال الفترة الماضية، بالتزامن مع تفاقم الأزمة السورية التي تحوّلت كما يبدو إلى لعنة على تركيا، نتيجة لمراهناتها العبثية على جماعات أنصار السبي وروّاد سوق الجواري المستحدث من الدواعش، بمباركة تركية غير معلنة.

 

قبل أن تقع تركيا في ذات الحفرة التي ساهمت بنشاط في تعميقها، كان حزب أردوغان يتظاهر بميول شبه علمانية لاستقطاب الناخبين الأتراك، وكذلك لمغازلة أوروبا طمعا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وتحقيق رغبة الشارع التركي، لكن ممارسات حزب أردوغان كانت تذهب عمليا في اتجاه آخر مناقض للقناع العلماني الشكلي لإخوان تركيا.

 

واستمر التغاضي التركي المشبوه عن طبيعة الرحلات الجوية التي تنقل الإرهابيين إلى مطارات بلاد الأناضول، ومن ثم فتح الحدود التركية أمام جحافل السفّاحين والقتلة من الجنسيات المتعددة للالتحاق بالتنظيمات الإرهابية في سوريا، بما فيها تنظيم داعش وتنظيم النصرة، وغيرها من الفصائل التي يوحّدها الإرهاب ويفرق بينها الصراع على مناطق النفوذ والجباية وآبار النفط والإيرادات المسروقة من مخزون السوريين المشردين والمحاصرين من قبل أكثر من عنف وأكثر من مجرم داخلي وخارجي، ولتركيا نصيب كبير في استثمار المأساة السورية والمتاجرة بها، ويتداول الإعلام في تقارير صحفية متكررة أن تركيا تعتبر أهمّ سوق لتمويل داعش عبر صفقات نفطية غير معلنة، وإلى جانب الأموال التي تتدفق على داعش من تركيا، هناك أيضا المقاتلون الذين تستقبلهم الأراضي التركية وتسهّل لهم الوصول إلى حيث يرغبون في سوريا والعراق.

 

وختاما يلاحظ أن التعامي الدولي المتعمد تجاه الدور التركي المشبوه في دعم داعش بشكل عملي ومكشوف، لعب أيضا دورا كبيرا في مواصلة النظام التركي القيام بلعبته الخطيرة، رغم الدلائل والحقائق والإثباتات المتواردة عن تورط تركيا في تقديم تسهيلات مباشرة وسخيته لداعش، لكن حادثة التفجير في إسطنبول ربما توقظ الشارع التركي وتدفعه إلى الضغط على الحكومة التركية لكي تتوقف عن اتخاذ الأزمة السورية جسرا لدعم داعش وأخواتها من الفصائل الإرهابية.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه