الحياة - الكذب المَرَضي Pathological Lying حالة مرضية معروفة في الطب، إذ بدأ وصف هذا المرض وتشخيص أعراضه في الكتب الطبية عام 1891 بواسطة أنتون ديلبروك، هذا المرض يتميز بقائمة طويلة من الأعراض، ولعل أهمها هو: قدرة الشخص المصاب على الكذب المزمن، بطريقة تلقائية، والإبداع في اختلاق قصص مفبركة؛ لتحسين نفسه، وإظهارها بمميزات لا يملكها كالبطولة، والصدق، والنزاهة.
وعندما تتفاقم الحالة يصل المريض إلى مرحلة لا يستطيع بعدها تمييز الحقيقة عما قد يختلقه من قصص وأحداث، ويسمى هذا العارض بمتلازمة الذاكرة الكاذبة false memory syndrome، وهنا يكمن الخطر إذا لم يُعالَج مبكراً. النتائج الفادحة لهذا المرض لا تقتصر على الشخص المصاب، وإنما تمتد إلى المحيطين به؛ لأنهم يعانون من محاولة التعايش مع الكذب المَرَضى القهري بصورة مستديمة. هذه المعاناة إذا كان المريض شخصاً عادياً، فكيف هي الحال إذا كان المصاب مسؤولاً ديبلوماسياً؟
لا شك أن تداعيات المرض ستكون أشد تعقيداً وخطورةً؛ لأن الأكاذيب المتواصلة ستؤثر في شعب بكاملة، بل وقد تصل إلى العالم برمته، في ظل العولمة ووسائل الاتصال الحديثة. استحضرت هذا المرض المعقد وتأثيراته السيئة عندما قرأت ما كتبه السيد ظريف، وزير خارجية إيران، لإحدى الصحف الأميركية، بعنوان: «التطرف السعودي المتهور». لا أخفيكم أنني عندما اطلعت على عنوان المقالة اعتقدت للوهلة الأولى أن هناك خطأ مطبعياً من الصحيفة الأميركية، وأنه تم استبدال إيران بالسعودية، وأن العنوان الحقيقي للمقالة هو: (التطرف الإيراني المتهور).
المقالة برمتها تُظِهر أن أعراض الكذب المَرَضي لدى الكاتب قد وصلت إلى مراحل متقدمة، فبدءاً من العنوان المغلوط، ووصولاً إلى افتتاحية المقالة التي تقول: «يحتفل العالم قريباً بحل الأزمة حول البرنامج النووي التي لم يكن لها داعٍ» وإذا صدقنا مجازاً أن برنامج إيران النووي العدواني لا يدعو لوجود أزمة، فلماذا يا ظريف الاستماتة والإلحاح لإقناع أميركا والغرب بحله؟ ثم يستطرد ويقول إن رئيسه روحاني: «أعطى الأولوية لإرساء الصداقة مع جيرانه والسلام في المنطقة». ولو سلمنا بصدق ما يقول، فماذا نسمي وجود الميليشيات الإيرانية التي تتوشح بالسواد من الداخل والخارج في العراق ولبنان وسورية واليمن؟ أم أن الكاتب لم يطلع على الخريطة الجغرافية لبلاده ليعلم من هم الذين يجاورونه الحدود؟ نسي الكاتب أن الحديث عن إعدام متطرفين سعوديين في السعودية، هو تدخل صارخ في شأن داخلي لجيرانه، الذين يتشدق برغبته في الحوار معهم. عذراً سيد ظريف، إذا كنت مستاء لإقامة السعودية حدود الله بالسيف ولم تستخدم الرافعات؛ لأنها لدينا تستخدم في الإنشاء وبناء الحياة لا للقضاء عليها.
في المقالة المذكورة أبدع الكاتب في إضافة مصطلح لغوي جديد في اللغة الإنكليزية سماه: «إيرانفوبيا»، ولعله يخفي وراء إبداعه هذا فوبيا يعيشها هو والمسؤولون في إيران اسمها «الحزم فوبيا». فالحزم الذي اتخذته الرياض ضد الفوضى والتطاول الإيراني أصاب طهران بالهلع. وأنصح الكاتب أن يتأقلم مع حالة الفوبيا هذه؛ لأن الحزم مستمر حتى تتشافى طهران وتعود إلى رشدها.
اتهام الكاتب الرياض باستهدافها المقار الديبلوماسية لإيران، يوضح جلياً حالة متلازمة الذاكرة الكاذبة التي وصل إليها. إن كانت ذاكراته لا تسعفه في تذكر الأحداث، فلعل من الأفضل أن يعود إلى كتب التاريخ التي تدون أحداث الهجمات البربرية الإيرانية المتتالية على السفارات الديبلوماسية المختلفة منذ نشوء الثورة الملالية. لقد أوجز الشيخ عبدالله بن زايد الرد على هذه المقالة الخيالية بتغريدته البليغة: «اعتقدت بأن الكاتب وزير خارجية دولة إسكندنافية».
أقول للكاتب، إذا كانت تغريدات حديثي النعمة nouveau-riche قد أثارت حفيظتك، فإن وحدتهم وحزمهم ستقض مضجعك وستزيد حالتك سوءاً، فإن رغبت في العلاج لديهم فلتعلم أنهم تمكنوا بنعمتهم الحديثة من بناء مصحات ومستشفيات تضاهي مستشفيات أميركا التي تحاول التقرب لها والكتابة في صحفها، وتأكد أن أطباء هذه الدول وإن حصلوا على أعلى الدرجات العلمية في الغرب تبقى تعاليم الإسلام النبيلة وشهامة العرب الأصيلة مغروسة في داخلهم، لذا سيقدمون العلاج لكل مريض بشكل إنساني، لا فرق بين عدو وصديق.
كل ما عليك هو أن تطلب المساعدة من جيرانك العرب حديثي النعمة.