العرب - أن تنزلق المنطقة إلى حروب طائفية، ذلك حلم إيراني. فهل هناك مَن يمنع وقوع ذلك الحلم؟ 200 ألف هو عدد المقاتلين الذين جهّزهم الحرس الثوري الإيراني للقيام بمهمات قتالية في المنطقة. وهذا ما صرّح به زعيم الحرس الثوري مؤخرا. وإذا ما عرفنا أن لا قوة في المنطقة تهدد إيران بحرب، يعرف الجميع أن لا أحدا يمكنه تحمّل مسؤولية ما يمكن أن تؤدي إليه، فإن الحرس الثوري يُعدّ مقاتليه من أجل التدخل في شؤون دول بعينها. وليس مفاجئا أن تكون كل تلك الدول عربية.
على سبيل الجدل لا يمكننا إلا أن نسأل مؤيدي التدخل الإيراني في الشؤون العربية عن المنفعة التي حصل عليها العرب جراء تلك التدخلات؟ لبنان الذي أصبح رهين سلاح حزب الله الإيراني يمر اليوم بأسوأ مراحله، دولة تقف فيها الحكومة عاجزة عن حل مشكلة يسيرة مثل مشكلة النفايات. العراق وقد ألحقه حكامه بإيران يبدو بلدا لا مستقبل له، بعد أن تقاسم الفاسدون ثرواته وصار على حافة الإفلاس، من غير أن يتقدم خطوة ولو صغيرة في مجال إعادة تأهيل بنيته التحتية التي حطمتها الحروب.
سوريا التي يقاتل فيها الإيرانيون بضراوة هي بلد مزقته الحرب، ولا أمل في استعادته لجزء مما كان عليه قبل الحرب، بعد أن حوّل الإيرانيون الصراع فيه من مساره الوطني إلى مسار طائفي. وفي اليمن انقلب الحوثيون المدعومون من إيران على التاريخ السياسي اليمني حالمين بقيام دولة الطوائف محطمين مقومات العيش المشترك. البحرين هي الدولة العربية الوحيدة التي استطاعت أن تحد من حجم التدخل الإيراني، وهو ما حفظ للدولة قدرتها على أن تحمي مواطنيها من خطر الانزلاق إلى الهاوية الطائفية.
إيران هي القاسم المشترك بين كل تلك التجارب المريرة. لم تقدم إيران لمريديها سوى السلاح. لا شيء غير السلاح. هل تملك إيران شيئا آخر لتقدمه؟ ولكن هل تحتاج المنطقة المدججة بالسلاح إلى المزيد؟ تخبئ إيران أطماعها التوسعية في المنطقة وراء ستار عقائدي هزيل. فهي إذ تلجأ إلى استعمال أدواتها في إشاعة الفوضى، فإنها تسعى إلى إضعاف سلطة الدولة في العالم العربي، بما يسهل لعملائها مهمة صناعة القرار من غير العودة إلى المجتمع كما هو حاصل في لبنان. وما كان الوضع في لبنان يصل إلى ما وصل إليه لولا سلاح حزب الله الذي هو سلاح إيراني.
ما يشهده العراق اليوم من عمليات إبادة تقوم على أساس التطهير الطائفي، هو جزء من أجندة إيرانية تهدف إلى إفراغ المناطق العراقية المجاورة لطهران من ساكنيها لتكون في ما بعد نقطة انطلاق لميليشيا الحشد الشعبي في اتجاه بغداد. وهو ما يعني تكرار تجربة حزب الله، لكن بدموية أكثر. وهكذا تكون إيران موجودة حيثما تكون الفتنة. وهو ما أدركته دول مجلس التعاون الخليجي بعد القبض على عدد من شبكات التآمر التي استطاع النظام الإيراني أن ينسجها داخل المجتمعات الخليجية. الأمر الذي دفع بتلك الدول إلى أن تتعامل، بشكل جاد، مع ما يمثله المشروع الإيراني من خطر على نسيجها الاجتماعي. ألا تعني كل هذه التجارب أن من يغرفون من النهر الإيراني لا يقدمون إلى مجتمعاتهم إلا مياها مسمومة؟
فإيران التي لم تقدم لحوارييها سوى السلاح هي دولة لا تتمنى لجيرانها من العرب سوى الحروب الأهلية والأزمات الداخلية. ولأنها دولة أزمة فليس بإمكانها سوى أن تصدر الأزمات، وصولا إلى هدفها في بناء إمبراطوريتها القائمة على استعباد الآخرين.