2016-01-21 

إيران ودول الخليج.. ماذا بعد؟

طراد بن سعيد العمري

العرب - رفع العقوبات عن إيران تنفيذا للاتفاق النووي بين الغرب وإيران أوصل دول الخليج إلى مفترق طرق في العلاقة مع الدولة الجارة، كما أن الأزمة والمواجهة المباشرة بين السعودية وإيران أضافتا فصلا جديدا يضع مستقبل الخليج العربي ودوله على المحك.

 

 

فصديقنا المحايد يرى في تلك البقعة من العالم الكثير من المشتركات التي من الممكن أن تضيف للإقليم والعالم المزيد من الأمن والسلام، وأن التأزم ليس إلا نهاية للأزمة إذا ما تغلبت الحكمة. بينما يراها صديقنا المحايد الآخر كبقعة ملتهبة بفعل النفط والغاز والتاريخ والعنصرية والطائفية ستؤججها الأطماع والمصالح الدولية وقبل هذا وذاك، غياب الحكمة.

 

يدخل العام 2016 ويُدخِل معه مداخيل مالية مجمدة في الغرب لعقود إلى الخزينة الإيرانية، بينما يأتي نفس العام حاملا معه تناقصا في المداخيل المالية لدول الخليج. يأتي العام الجديد وإيران عاقدة العزم خلاله على استخراج أكثر من مليون برميل يوميا من النفط، بينما قد تضطر دول الخليج إلى إبقاء الملايين من نفطها في باطن الأرض.

 

في ذات العام تبدأ الدول الخليجية فرض ضرائب على مواطنيها لأول مرة في تاريخها، بينما تبدأ إيران تخفيف الضرائب على شعبها لأول مرة في تاريخ الثورة. وفي عام 2016 تخرج إيران من عزلة دولية، بينما تدخل دول الخليج في دورة اقتصادية تضطرها إلى إعادة هيكلة الداخل والانكفاء.

 

تتضادُّ الأشياء في هذه البقعة من العالم في نفس الوقت وبنفس القدر. تجمع إيران في جعبتها السياسية والدبلوماسية تحالفات شتى: أميركا وأوروبا وروسيا والصين، بينما تعيش دول الخليج مرحلة عصيبة من الشك وفقدان الثقة في التحالفات الإقليمية والدوليةتدخل إيران هذه الحقبة الزمنية أيضا، باقتصاد ينتج 90 بالمئة من الاحتياجات المحلية، بينما تدخل دول الخليج ذات الحقبة باقتصاد يستورد 90 بالمئة من الاحتياجات المحلية.

 

على مسار آخر، تدخل إيران الحقبة التاريخية الحالية كمرجعية قوية ونصير للشيعة في كل أنحاء العالم، بينما تناضل دول الخليج في توحيد كلمة السنة وتطهير ما علق بها من تطرف وإرهاب. تعج منطقة الشرق الأوسط بالأزمات الحادة نتيجة عدة أسباب:

 

1- ضعف مفهوم الدولة المدنية الحديثة؛ 2- علو الصوت الديني واستغلاله لأغراض سياسية؛ 3- التخلف المجتمعي بتنامي الفكر القبائلي البدوي؛ 4- سوء إدارة الحكام للشعوب والمجتمعات مع ازدياد ظاهرة الفساد؛ 5- تناقص مصداقية الحكومات مع ظهور الأجيال الشابة والجديدة؛ 6- تزايد الصراع الدولي على مناطق النفوذ.

 

النقائص آنفة الذكر قادت إلى اعتماد الخطر الخارجي كمخلص وحيد لترحيل الأزمات، سواء مع إسرائيل أو مع إيران بالنسبة إلى العرب، أو العرب بالنسبة لإيران، وكأنه بات محكوماً على شعوب المنطقة أن تتخلف في التنمية وأن تتقدم الصفوف في الحروب والنزاعات.

 

ظنت دول الخليج العربية مع بداية الحرب العراقية الإيرانية، أن الخلاص يكمن في تجمع يحفظ لهذه الكيانات وجودها واستقلالها وسيادتها فتوّلد مجلس التعاون الخليجي. لكن دول الخليج وقعت في الخطأ الذي وقعت فيه الدول العربية عند تأسيس جامعة الدول العربية.

 

الخطأ المشترك هو محاولة الانصهار في منظومة دولية لمواجهة عدو مشترك قبل أن يتم استكمال بناء الدولة المنفردة، ولذا بات مفهوم السيادة قضية تستعصي على فهم الدول العربية والخليجية على حد سواء. تشتت العرب ولم يتفقوا على عدو واحد، كما تفرقت دول الخليج في اتخاذ موقف موحد في الأزمات.

 

عاشت دول الخليج تحت قبة مجلس التعاون الخليجي أكثر من ثلاثة عقود كيانا جميلا مستظلة بالنفط والغاز وحققت مداخيل فلكية عالية ونقلت مجتمعاتها إلى شيء من العصرنة، لكنها مازالت تعاني من إشكالية التفريق بين ممارسة القبيلة والدولة، وساعدتها على ذلك سياسة “البترودولار” في الداخل والخارج.

 

قرأت دول الخليج الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003 بشكل خاطئ فيه الكثير من السذاجة والاستكبار، لكنها استيقظت في العام 2011 على أصوات ثورات الربيع العربي وسقوط أربعة أنظمة في أشهر قليلة، عندها استشعرت الخطر، فلم تبحث عن مصدره وأسبابه جيدا، لكنها تذكرت جارتها الكبرى إيران فارتكبت دول الخليج ثالث أخطائها بأن استعدت إيران.

 

تبعت دول الخليج الرؤية الأميركية بسذاجة ودون أدنى تفكير قبل وخلال وبعد احتلال العراق ولم تفكر، ولو قليلا، في المعطيات الاستراتيجية والجيوسياسية في تكوين علاقة خاصة ومميزة مع إيران، كما لم تتمكن من الانعتاق عن التعليمات الأميركية ورفض الحصار والمقاطعة لإيران، كما سبق وأن فعلت دول أميركا اللاتينية.

 

فوجئت دول الخليج، بل صُدمت بأن أميركا تتفاوض مع إيران وعاقدة العزم على تغيير سياستها الشرق أوسطية، عندها وقعت دول الخليج في “حيص وبيص” ولكن بعد فوات الأوان. فقد جمعت دول الخليج أمرها وهيأت إمكاناتها الثقافية ومكناتها الإعلامية وأقنعت شعوبها بأن العدو الجديد هو إيران تحت دوافع شتى.

 

سَخّرَت إيران، من جانبها، تلك العداوة المصطنعة والخطاب الإعلامي المرتبك من جيرانها في دول الخليج العربية لمصلحتها في إبقاء جبهتها الداخلية متماسكة، وسهّل ذلك الخطاب الإعلامي المتأزم من مهمة المرشد ووسائل الإرشاد في إيران. يضاف إلى ذلك، استغلال حرب الثماني سنوات ودعم دول الخليج لتلك الحرب لإلهاب المشاعر في الداخل وإيغار صدور الشعب الإيرانيكما أن إيران لم تجد صعوبة في إقناع الداخل بأن دول الخليج هي من سهل لدول “الاستكبار العالمي” التواجد في الخليج، يضاف إلى ذلك، سهولة اتهام دول الخليج في انخفاض أسعار النفط. كل ذلك لصرف أنظار الداخل عن أزماته الداخلية، والوقوف إلى جانب حكومته في أي سيناريو محتمل.

 

حاولت دول الخليج إفشال الاتفاق النووي بوسائل شتى، وكررت محاولاتها في تأخير أو تأجيل رفع العقوبات والحصار أو الإفراج عن الأرصدة الإيرانية، لكن مصالح الكبار لا تتسق مع تطلعات الصغار. حتى العقوبات الأميركية الأحادية ضد إيران بحجة الصواريخ البالستية هي نوع من المكر السياسي الأميركي.

 

في المقابل، شهدت دول الخليج بالكثير من الحسرة والألم المختلطين مع شيء من الغيرة والحسد، تسابق المسؤولين الغربيين والشركات الغربية للاستثمار في إيران الجديدة. كلهم يلقون أقلامهم أيهم يضمن حصة الأسد في دولة ديناميكية ومجتمع منتج وشعب يصل تعداده 80 مليون نسمة ويحتاج إلى الكثير من التحديث والتقنية في كل شيء تقريبا.

 

يشترك كل من صديقنا المحايد المتفائل، وصديقنا المحايد المتشائم، في موضوع “الحكمة”، فتغليب الحكمة السياسية من عدمه سيحدد مصير ومستقبل ضفّتيْ الخليج: إيران ودول الخليج. استمرار إيران في ممارسات الثورة سيقوض كل آمالها في إعادة بناء الاقتصاد الإيراني ويشتت كل نجاحاتها ويحيلها إلى دولة مشؤومة وشعوب مكلومة.

 

في المقابل استمرار دول الخليج في تبني الفكر القبائلي والبحث عن أوهام الزعامة والادعاء بحماية الحق العربي وصيانة المفهوم الإسلامي السني، سيفتت دول الخليج وسيعجّل بتقسيمها  وتلاشيها.أخيرا، ليس أمام إيران ودول الخليج سوى واحد من طريقيْن: طريق التدمير أو طريق التعمير، فلا حلول وسط.

 

طريق التدمير يبدأ من استمرار كل طرف باستعداء الطرف الآخر دون أسباب حقيقية، وفي أحسن الحالات الدخول في حرب شبه باردة ومرحلة مضنية من الاستقطابات وتمدد النفوذ وحروب بالإنابة وسباق للتسلح يستنزف مقدرات إيران ودول الخليج، يكون الرابح الأكبر في ذلك الدول الكبرى.

 

طريق التعمير يبدأ من الشجاعة السياسية وقبول الحد الأدنى من التفاهم وحفظ ماء الوجه أمام شعوب كل طرف، وسرعة الجلوس إلى بعض وتقديم التنازلات الحقيقية التي لا تضر بسيادة أو استقلال وطني، والنظر إلى المشتركات والالتفات إلى تنمية الداخل لدى كل طرف. ختاما، التعمير هو ثقافة الحياة ووسيلته الحكمة، أما التدمير فهو ثقافة الموت ووسيلته الحماقة.

 

 

 

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه