2016-01-21 

يناير تونسي وأزمات الدولة والثورة

أمين بن مسعود

                    

العرب - بين تونس وشهر يناير قصّة اختلاف وائتلاف، كثيرا ما تبدأ أحداثها بالأزمة والمحنة، وتنتهي بارتسامات أوليّة من شفق “المنحة” الاجتماعية والسياسيّة. فمن أحداث 26 يناير 1978 إلى أحداث الخبز في 3 يناير 1984 ومنها إلى اندلاع انتفاضة الحوض المنجمي في يناير 2008، قبل إطلاق شرارة الحراك الشعبي في يناير من عام 2011 وفي كلّ محطة من محطات يناير المشتعل كان الشعب التونسي يسجل حضوره في الساحة الاجتماعية والاقتصادية ويفرض رأيه ضمن المعالجة الداخليّة للملفات السياسية الحارقة، ويضبط مع الزمان السياسي نقطة تحوّل في إدارة الشؤون العامة مجددا الطرح بأنّ إدارة الأزمة لا تكون من خلال أزمة الإدارة في البلاد.

 

اليوم لا يخلف شهر يناير موعده مع التونسيين حيث يحضر بمعضلة سياسيّة قد تكون الأكثر شدّة منذ أحداث 2011، إذ أنّ الحزب صاحب الأغلبية في الحكم والحكومة بات عاجزا عن وقف نزيف الاستقالات ولملمة الانشقاقات السياسيّة التي تنبئ بإمكانية “بلقنة” نداء تونس وتحويله إلى جزر سياسيّة متنافرة أيديولوجيا ومصلحيّا.

 

ففي أقل من أسبوعين أصبح سيناريو التقسيم الثنائيّ السيناريو الأكثر تفاؤلا ضمن حزب ينشقّ باطراد على وقع الوساطات المنحازة والمؤتمرات المسقطة والأجنحة المتكسرة لنداء تونس وبسرعة ظهرت عبارات “ما بعد الانقسام الهيكلي والبنيوي” على غرار الانقلاب والانقلاب على الانقلاب إلى درجة أنّ الرئيس الباجي قائد السبسي بات عاجزا عن الوقوف في وجه تسونامي الاستقالات بعد أن استنزف مرجعيّته الرمزيّة.

 

اللافت أنّ نداء تونس الذي رفع شعار “إنقاذ تونس” من حكم الترويكا قاصر اليوم عن إنقاذ نفسه والبلاد معا من استعصاء سياسي واحتقان اجتماعي وتدهور اقتصادي يؤشر ليناير حارق ومحترق. في كلّ مرة تختار تونس أن تجدّد دماءها في يناير تجتبيه من بين الأعوام والسنين، ليلقي بظلاله السياسية والاقتصادية على يناير آخر، لذا ليس من الغريب أن تعلن حكومة التكنوقراط برئاسة المهدي جمعة في يناير 2014 وأن تكتب تونس دستور جمهوريتها الثانية في نفس الشهر من ذات السنة.

 

يبدو جليّا أنّ يناير الحالي يؤسس لموجة من الحركة الاجتماعية والحراك السياسي والتحرّك الانتفاضي على وقع أزمة معان قوامها التباين بين النظام البرلماني المعلن والنظام الرئاسي الحاكم، والبون بين الحزب الحاكم الفاقد للغالبية والحكومة ذات الغالبية الندائيّة، والمفارقة بين الوعود الانتخابيّة بالتشغيل والواقع التوظيفي التعيس، وليس أخيرا التنافر بين ادعاءات هيبة الدولة والتداخل الكبير بين مؤسسة الرئاسة وبعض الوزارات في الشأن الحزبي لنداء تونس.

 

الناظر إلى مشهد الاحتقان في محافظة القصرين وباقي المحافظات المهمشة في البلاد قبل الثورة وأثناءها وبعدها، يدرك أنّ الفوضى المنسحبة على كافة مفاصل الدولة ستنتهي إلى نتيجتين إثنتين، إمّا انقلاب بعض الفاعلين النافذين على حراك 2011 مثل بعض البلدان العربية وهو مستبعد، وإمّا الحراك الجديد على الحراك القديم.

 

لئن كان حراك يناير 1978 و1984 و2008 و2011 متأصلا في أزمة السلطة ومن ورائها الدولة على الإصلاح والإدارة والتغيير فإنّ التحركات القادمة تحمل في طياتها أسئلة المعنى والمغزى حول الفعل الثوري العاجز عن الانتصار لاستحقاقات التحركات الاجتماعية، والقاصر عن بناء الدولة الوطنيّة وإعادة هيبتها المفقودة، ما يفضي إلى تساؤلات في إمكانية ضياع الدولة وتضييع الثورة في آن.

 

ولئن كان محمد البوعزيزي عنوان التحرك الاجتماعي في 2011 فإنّ رضا اليحياوي، المنتحر بفرط إقصائه من الوظيفة العامة، سيمثّل وقود الغضب الاجتماعي على وقع الدولة العاجزة والثورة الفاشلة في يناير الحالي، وقد يكون القادم أيضا.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه