الاتحاد - تقع مدينة «إيشواردي» التي يعني اسمها «مكان الآلهة» في غرب بنجلاديش على بعد 160 كيلومترا من العاصمة دكا. وتبلغ مساحتها 247 كيلومترا مربعاً. ويتجاوز عدد سكانها الربع مليون نسمة طبقاً لآخر إحصاء سكاني في عام 1991. هذه المدينة سطع اسمها مؤخراً في التقارير الصحفية الواردة من جنوب آسيا لسبب بسيط هو اختيارها من قبل الحكومة كمكان لبناء محطتين للطاقة النووية، قدرة كل منهما 1200 ميجاوات، وذلك ضمن مشروع تبلغ قيمته الإجمالية نحو 12.65 مليار دولار لتوفير الطاقة للبلاد (المصدر الرئيس للطاقة في بنجلاديش حتى الآن هو احتياطيات الغاز المحلية التي يستخدم 55 بالمائة منها لتوليد الطاقة، و27 بالمائة منها في التصنيع، والباقي للحاجات المنزلية
.
أما كيف ستدبر بنجلاديش، صاحبة الاقتصاد الهش، الأموال اللازمة لتنفيذ المشروع، فعن طريق الاقتراض من روسيا الاتحادية التي ستمول نحو تسعين في المائة من قيمة المشروع في صورة قرض مستحق بفائدة 1.75 بالمائة، وستقوم أيضاً بعملية بناء المحطتين اللتين ستكونان جاهزتين بحلول عامي 2022 و2023، وذلك طبقاً لما أعلنه «أبوالمال عبدالمحيط» وزير مالية بنجلاديش. هل يعني هذا أن بنجلاديش في طريقها لتصبح القوة النووية الثالثة في شبه القارة الهندية من بعد الهند وباكستان؟ وبعبارة أخرى هل سيعمل البنجلاديشيون على تطوير أجهزة المحطتين وتكنولوجياتهما الروسية المتقدمة لتحويلها من الاستخدامات السلمية إلى الاستخدامات العسكرية؟ مثل هذه التساؤلات تم طرحها في مواقع إعلامية كثيرة في الأسابيع القليلة الماضية.
والحقيقة أن بنجلاديش لا ينقصها شيء للمضي في هذا الطريق إنْ أرادت. فهي تملك العقول المبدعة والأيدي الفنية الماهرة ومراكز الأبحاث العلمية المشهود لها بالكفاءة، بل إنها بدأت التفكير في النووي في عام 1961 حينما كانت تسمى «باكستان الشرقية، ثم أسست وكالة للطاقة النووية في عام 1973. وهذا ما قد لا يعرفه البعض في عالمنا العربي من المصابين بداء التقليل من شأن الآخر الآسيوي، كي لا نقول احتقاره. ولكاتب هذه السطور دراسة موسعة عن عظماء البنغال (من المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى) ممن ساهموا في خير البشرية باختراعاتهم واكتشافاتهم العلمية التي عادة ما ننسبها، بسبب جهلنا، إلى علماء من الغرب. وهذه الدراسة موجودة، لمن يريد الاطلاع عليها، في كتابي الصادر قبل بضعة أعوام عن دار مدارك في دبي تحت عنوان«ومضات من آسيا.. ما فعله كومار ولم يصنعه عبدالفضيل».
غير أنّ بنجلاديش تعي جيداً، أنّ خيار التحول إلى قوة نووية في العالم الثالث خيار مكلف وعبء ثقيل، ليس بسبب حاجته إلى استثمارات مالية طائلة، وإنما أيضاً بسبب تبعات ما بعد التحول لجهة الصيانة المستمرة للمفاعلات، وتحديثها، وإحاطتها بشبكة أمنية منيعة للحيلولة دون وقوعها في يد الجماعات المتشددة.
هذا ناهيك عن حقيقة أن السلاح النووي مجرد سلاح رادع، بمعنى أنه غير قابل للاستعمال أو حتى مجرد التلويح باستعماله في عالم اليوم. ثم أن بنجلاديش دولة مسالمة منذ تأسيسها عام 1971 على يد المرحوم الشيخ مجيب الرحمن والد رئيسة حكومتها الحالية الشيخة حسينة واجد، بل استطاعت أنْ تحل معظم خلافاتها مع كل جاراتها في منطقة جنوب آسيا، علما بأن المتبقي منها لا يرتقي إلى حالة العداء المستوجب لخوض حرب. وحتى لو افترضنا جدلاً اندلاع الحرب لأي سبب من الأسباب، فإن باستطاعة بنجلاديش أن تخوضها بالأسلحة التقليدية وعديد قواتها.
فطبقاً لآخر إحصائيات المعاهد الدولية المعنية، فإن دكا أنفقت على جيشها في عام 2010 مثلا نحو 1.25 مليار دولار، فيما بلغت موازنتها الدفاعية في عام 2012 مثلا نحو 120 مليار دولار، علما بأنها تتلقى سنوياً مساعدات عسكرية أميركية بنحو 1.5 مليون دولار فقط. والجدير بالذكر أن قدرات بنجلاديش العسكرية تشمل مائتي ألف فرد من القوات العاملة والقوات شبه النظامية، و240 دبابة ما بين ثقيلة وخفيفة، وأكثر من 815 قطعة مدفعية، وأكثر من مائتي طائرة ما بين مقاتلة ومساندة وطائرات نقل وتدريب، وعدد غير معلوم من الصواريخ. وتعتبر القوات البحرية هي العصب الرئيس للجيش البنجلاديشي بما تحتويه من فرقاطات، وزوارق دورية، وقوارب سريعة متنوعة، وكاسحات ألغام، وسفن إنزال وإسناد، وبوارج صينية المنشأ لإطلاق الصواريخ.
أما من ناحية الخبرات القتالية، فقد أورث الآباء المؤسسون للجيش البنجلاديشي خبراتهم القتالية، التي حصلوا عليها من حرب الاستقلال، ومناقبيتهم العسكرية، التي تمرسوا عليها يوم أن كانوا جزءا من الجيش الباكستاني، إلى الأجيال العسكرية التالية. أضف إلى ذلك أن هذا الجيش اكتسب الكثير من الخبرات لجهة عمليات الإخلاء والإنقاذ والإسعاف، ومواجهة مختلف الظروف والتأقلم مع جميع الأوضاع من خلال مشاركاته في قوات حفظ السلام الأممية في لبنان وليبيريا وجنوب السودان وتيمور الشرقية وساحل العاج والكونغو الديمقراطية والصحراء الشرقية.
هذا فضلاً عن الخبرات القتالية وغير القتالية التي اكتسبها الجيش البنجلاديشي من تمركز نحو 2300 عنصر من عناصره في شرق المملكة العربية السعودية، ومشاركتهم في حرب تحرير الكويت في عام 1991 ضمن قوات التحالف الدولي.