الرياض - صدمتني محدثتي بمعلومات لم تكن تخطر على بالي، ربما لأنني لم أطلع عليها من مصدر موثوق من قبل أو لأنني لم أرد يوما أن أصدقها، ولأنني خشيت كثيرا من الإحالة على نظرية المؤامرة. محدثتي إيرانية، ورغم أنها صبية فقد اعادتني إلى زمن والدي، فقد كانوا يصبحون صياما، ثم ينادي مناد بأن اليوم عيد، فيفطرون ويتوجهون ظهرا لأداء صلاة العيد. وهم معذورون لعدم وجود مذياع واحد في القرية والقرى المجاورة، وإنما يرسَل مرسول كان يسمى "نجابا" من إمارة المنطقة لإبلاغ المحافظات والقرى البعيدة بدخول شهر رمضان أو خروجه.
وأتذكر قبل ثلاثين عاما أننا انتظرنا إعلان دخول رمضان، وتأخر فنمنا وأصبحنا صائمين حتى الظهر ثم اكتشفنا بأنه ليس من رمضان، وأفطرنا وثار جدل واسع حول ذلك الشهر حيث صمنا 28 يوما، ثم صدرت فتوى بصيام يوم لاحقا، ومنذ ذلك الحين حدد الان دخول الشهر من عدمه بوقت صلاة العشاء.
النظام الإيراني مازال متأخرا عن المسلمين بعقود من الزمن، هذا إذا أُحسن الظن، ولكن التماس العذر لاحسان الظن يصعب قبوله في عصر الاتصالات. الإيرانيون يذهبون لأعمالهم وهم صيام، ثم ينادي المنادي بعد وصولهم بأن اليوم عيد، فينصرفون لصلاة العيد ولبس الجديد، ويكون التفاوض بينهم وبين رؤسائهم عما إذا كان ذلك اليوم هو يوم الإجازة الوحيد أم أنهم سيعطون يوما تعويضا عن هذا العيد المبتور.
يقال إن أحمدي نجاد كان يرضخ أحيانا فيعطي الإيرانيين ثلاثة ايام إجازة عيد، وأحيانا أخرى يرفض. نحن أيها السادة الأكارم لا نتحدث عن حقوق أقلية مسلمة في بلد غير إسلامي، وإنما نتحدث عن بلد مسلم، عضو في منظمة التعاون الإسلامي، وكنى ثورته بالإسلامية، ويقدم قادته أنفسهم باعتبارهم يخدمون الإسلام والمسلمين، بل يحاول المعممون فيه ترسيخ صورة نمطية للمرشد العام بأنه إمام المسلمين سنة وشيعة. ولاية نيويورك اعتمدت عيدي الفطر والأضحى إجازة للمسلمين، وفي بريطانا تم تقديم الاختبارات التي تتوافق مع رمضان حتى يصوم المسلمون في يسر وسهولة، بينما الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تعطي عيد رمضان سوى يوم واحد، وتفاوض عليه المسلمين فيها.
خرج مني سؤال عفوي من هول الصدمة: هل تصومون رمضان؟ ضحكت عاليا وقالت نصوم إيش؟ أنت لو تدخل بيتا إيرانيا وتقول لهم بأنك صائم يضحكون عليك. راجعتها للاستيضاح فاستدركت إلا بعض البسطاء. قلت لها والمعممون؟ قالت أكذب الناس في الدين. صحيح أن أحدا لا يدري عنهم في بيوتهم ولكن الشواهد تقول بأنهم لو كانوا يقدسون هذا الشهر لاهتموا به كما يهتم به بقية المسلمين. وقارنت محدثتي بين إجازة عيد الفطر، وإجازة عيد الفرس التقليدي وهو النيروز حيث إن إجازته الرسمية تمتد بين 13 و 15 يوما.
ويأتي في الأهمية الثانية أعياد العزاء موت فلان وولادة فلان التي لا تنتهي. لا علاقة لي بصيام الناس رمضان من عدمه، فالصوم لله وهو يجزي به، ولكن الحديث عن الدولة، عن ولاية الفقيه، عن هذا الخطاب الذي صدع رؤوسنا بادعائه الدفاع عن الإسلام. لقد أصبح واضحا أن سمات التدين التي تظهر على أعضاء النظام الإيراني من لبس العمائم واطلاق اللحى، والخروج من المناسبات التي فيها اختلاط أو تقدم فيها الخمور ما هي إلا مواقف تسويق للنظام لاقتناص الغوغاء والسيطرة على المستضعفين في إيران، وتخويف الأطياف الفارسية الليبرالية والعلمانية التي تعايشت مع ذلك الخطاب الإسلامي الذي يحتكر السلطة ويستعين بعامة الناس على خاصتهم بعد أن عمل على تربيتهم بشكل مؤدلج يسمح باستخدامهم دون تفكير أو مناقشة لتكسير عظام المعارضين.
هذا النظام الذي يرفع شعار العدل ونصرة المستضعفين يقف مواطنوه من غير الفرس، وبخاصة كبار السن الذين لايتحدثون الفارسية أمام القاضي بدون ترجمة ويحكم عليهم دون أن يفهم أحدهم قضيته أو يعبر عن رأيه وينقل ما لديه من معلومات للقاضي. ومرة أخرى أي إسلام هذا؟
تذكرت بهذه المناسبة حوارا بيني وبين أحد الصحافيين الأميركيين الذي قال بأن مهمة المملكة في تحسين صورتها في الغرب أصعب بكثير من مهمة الإيرانيين. فالمملكة دولة إسلامية محافظة مظهرا ومخبرا ولكنها لا تتبجح بالتركيز على الشكليات على حساب القيم الأساسية للدين.
لقد فهمت على نحو أعمق مقولة للسيد هنري كيسنجر وزير خارجية أميركا الأسبق في كتاب صدر حديثا له بعنوان: "النظام العالمي" ذكر فيها بأن السعودية تعتبر الجائزة الرئيسية المستهدفة من الجماعات الجهادية السنية (القاعدة، وداعش)، والشيعية (حزب الله، وأنصار الله، والحرس الثوري، والباسيج، وفيلق بدر، والحشد الشعبي أو الشيعي) واصفا الصراع بين المملكة وإيران بأنه صراع وجودي بالنسبة للسعودية، إنه يعني الدفاع عن سلامة المملكة، وشرعيتها، ويعني بشكل فعلي الدفاع عن مستقبل الإسلام. أي أن الإسلام ذاته في خطر إذا تمكّن النظام الإيراني في الأرض.
الأدبيات التآمرية التي فسرت سلوك هذا النظام ودوافعه، وخطره على الإسلام أصبحت حاضرة في مقدمة ذاكرتي، وبت أكثر خوفا على المسلمين والدول الإسلامية من نظام يتظاهر بالإسلام ويحارب ثوابته. من أعطى مدينة مشهد القداسة، ومن شرّع الطقوس البوذية والنصرانية في الإسلام، ومن فرّق بين الحسن والحسين؟ ومن فرّق بين أمهات المؤمنين في المكانة والتقدير، ومن أخّر في التكريم من قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة؟ كل هذه الشواهد تتقاطر على لساني وأنا أستمع إلى رواية من قلب إيران.