2016-01-27 

الأزمة السورية تزيد الفجوة بين الرياض وواشنطن

نواف عبيد

 

الحياة - مَن يراقب المشهد الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط عن كثب يُدرك الانسحاب التدريجي للنفوذ الأميركي من الشرق الأوسط، خصوصاً منذ عام ٢٠١٠، وهو الأمر الذي أدّى إلى عجز واضح للولايات المتحدة في فهم القضايا الإقليمية للمنطقة، ومواكبة تطلعات شعوبها.

 

وواكب هذا الانسحاب الأميركي من المنطقة زيادة الفجوة بين المملكة وحليفتها التقليدية الولايات المتحدة بعد أن ربطتهما علاقة حميمة استمرت عشرات السنين، وأصبح أقل ما تُوصف به العلاقة بين الحليفتين أخيراً أنها فاترة أو مضطربة. وجاءت زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الرياض (الثلثاء) الماضي تأكيداً لهذا الفتور في العلاقة، وتسريعاً لوتيرة ازدياد الفجوة بين الرياض وواشنطن؛ فقد جاء كيري ليصرّح من العاصمة السعودية بالتقارب بين وجهات النظر الإيرانية الروسية وسياسة الإدارة الأميركية الحالية تجاه الملف السوري.

 

وأبلغ كيري الهيئة التفاوضية للمعارضة السورية، ومنسقها رياض حجاب، باتفاقه مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على قبول الحكومة الأميركية الخطة الإيرانية الرباعية لحل الأزمة السورية، وهي: تشكيل حكومة ائتلافية عبر انتخابات وليست حكومة انتقالية، والسماح بترشح بشار الأسد في هذه الانتخابات من دون تحديد فترة زمنية لرحيله، وفرض أسماء وشخصيات معينة لتمثيل المعارضة السورية؛ كصالح مسلم رئيس الاتحاد الديموقراطي الكردي، وهو ما يشكل استهدافاً لخطة العمل التي أنجزها ائتلاف المعارضة السورية في الرياض قبل نهاية العام الماضي. والنقطة الرابعة الأهم هي إقرار البيت الأبيض بعدم التدخل، سواءً كثفت روسيا من تدخلها وعملياتها العسكرية في سورية أم أوقفتها.

 

لا تدرك الإدارة الأميركية الحالية إلى الآن عاقبة مثل هذا الموقف، ولا تستوعب منهج المملكة ولا الرأي العام للشارع العربي؛ فالمملكة يحكمها في التعامل مع الأزمة السورية مبدأ أخلاقي لا يمكنها أن تحيد عنه أبداً طلباً لمصلحة سياسية؛ لذلك لا يمكنها قبول مثل هذه التصريحات الأميركية، أو دفع المعارضة السورية إلى حضور مفاوضات حُدِّدت نتائجها الفادحة مسبقاً. وستضطر المملكة وفق هذا المنهج الأخلاقي إلى الإقرار علانيةً بدعمها ووقوفها غير المشروط مع المعارضة السورية بجميع فصائلها، بل ستضطر المملكة في ظل شح الدعم الغربي لثوار سورية أو غيابه إلى مضاعفة دعمها من عدة وعتاد ومال وقوة سياسية؛ لتصل بهذه المعارضة السورية إلى بر الأمان.

 

إن هذه المستجدات، التي تستظل بظلّ الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، تشير إلى دلالات عدة، أولها أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تكشف بهذا التصريح حقيقة مصالح وأجندات حكومية قصيرة المدى، وتؤكّد للعرب أنها ليست الشريك المناسب، وأنها لن تكون حليفاً موثوقاً به حتى مغادرة أوباما البيت الأبيض. وثانية هذه الدلالات أن الديبلوماسية الأميركية فشلت فشلاً ذريعاً في فهم واستيعاب جُل الملفات المتعلقة بالشرق الأوسط، وتكللت اجتهاداتها وتدخلاتها في المنطقة بخسائر مهينة تتمثل في غزوها العراق، وسلسلة من السياسات التي لا صلة لها بالواقع المحلي والإقليمي.

 

لذلك تترقب منطقة الشرق الأوسط بأسرها إدارةً أميركيةً جديدةً في العام المقبل؛ لعلها تعيد المياه السعودية الأميركية إلى مجراها المعروف، وخصوصاً أن الدور القيادي الجديد الذي حملته المملكة على عاتقها يحتم عليها إزاحة العوائق أمام تحقيق أمن المنطقة واستقرارها. ونصيحتي للسيد كيري هي أن التاريخ لن ينسى وأن الشعب السوري لن يغفر.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه