استدعاء السفير السعودي ثامر السبهان في بغداد لوزارة الخارجية العراقية على اثر تصريح له لقناة فضائية عراقية ذكر فيه: تعزيز دور الجيش والشرطة العراقيين للمحافظة على الأمن وترسيخ القيم الوطنية وإبعاد المليشيات -عن خطوط التماس الأمني- التي تعمق النفس الطائفي في العراق، يظهر مدى قدرة الانقسام الطائفي على تحديد شكل الهوية الرسمية للدولة التي تحدد المقبول وغير المقبول، على هذا الأساس الطائفي تم الاستدعاء، أما التعرض للحشد الشعبي فهو تحصيل حاصل، فالانتقادات للحشد الشعبي جاءت من أعلى سلطة في العراق رئيس الوزراء الذي دعا إلى فتح تحقيق أمني بتجاوزات هذه المليشيا وكذلك مراجع دينية شيعية كبرى مثل السيد مقتدى الصدر والسيد الصرخي التي وجهت انتقادات حادة للحشد واتهمته بانه يعزز الصراع الطائفي ويقسم المجتمع العراقي بين ثأر وثأر.
وإذا نظرنا إلى تصريح السفير السعودي نجدها لم تخرج عن ما هو رسمي ومعلن، فقد تماهى تماماً مع رأي الحكومة والمراجع الدينية إضافة إلى القوة الوطنية والشعبية، هذا التناغم الواضح يلغي حجة التعرض للسيادة الوطنية العراقية أو القفز عليها.
الموقف السعودي الملتزم بمبادئ الدبلوماسية والأخوة العربية، لم يمنع بعض المماحكات الإعلامية من الظهور، فقد ذكر البعض المؤيد لدعوى الاستدعاء، لو أن السفير العراقي في المملكة اعترض على بعض القرارات الأمنية داخل المملكة ماذا سوف يكون الرد السعودي؟ إن كان يقصد بالأمنية تعدي الجماعات المتطرفة على أمن المواطنين مثل داعش شديدة الشبه بالحشد الشعبي فالأكيد أن الحكومة السعودية سوف تشكره على موقفه المعترض على الإرهاب، أما إن كان القصد القوات الأمنية التي تتبع وزارة الداخلية السعودية، فالشرطة السعودية ليست حشداً طائفياً تفرز مذهباً عن مذهب بل قوى أمن وطنية ملتزمة بمسؤوليتها الوطنية..
أمن وطن لا يرفع شعاراً طائفياً، الشرطة السعودية تعقبت المجرمين الدواعش الذين فجروا مسجداً شيعياً واستشهد منهم ضباط وأفراد في سبيل تحقيق أمن الوطن والمواطن، فالفرق واضح بين عقيدة الوطن الأمنية، وعقيدة الحشد الطائفية.
مثل هذه المماحكات الطائفية تؤكد على أن القومية العربية التي تمثلها سياسياً وقانونياً الجامعة العربية لم تعد هوية جامعة للعرب، بل حلت مكانها الطائفية، وهذا الاعتبار يقسم الهوية العربية إلى قسمين عرب فارس العراق ولبنان وبعض المليشيات العربية التي تعمل بالعلن مثل الحوثيين وعلوية بشار الأسد، والقسم الثاني عرب السعودية وعرب مصر وعرب المغرب، هذا التقسيم فرضته طهران مرحلياً حتى تتجاوزه للكل، ويبقى هذا التقسيم مفيداً جدا للدول العربية التي لا تنطوي تحت اللواء الإيراني، لكي يكون خيار العرب خياراً مصيرياً.
فمن يتبع بلاد فارس له هذا الخيار بكل تبعاته الاقتصادية والسياسية، فليس من المعقول أن يكون اقتصادياً عربياً وسياسياً إيرانياً، كحال لبنان مع العرب وإيران اليوم، وعلى اثر هذا التقسيم إن اعترف به يكون استدعاء السفراء العرب إن انتقدوا تدخل إيران في الأرض العربية أمراً مقبولاً.