مع فقدان الولايات المتحدة لدورها الريادي في منطقة الشرق الاوسط تحاول بعض القوى الاقليمية الاخرى على غرار الصين استغلال هذه الفرصة وسد هذا الفراغ عبر توطيد علاقاتها مع الدول الكبرى في المنطقة كالسعودية وايران. خطوة يؤكد مراقبون بانها محفوفة بالمخاطر بما انها ستفرض على الصين التخلي عن حيادها في الصراعات بين البلدين ودعم طرف على حساب أخر.
يقول مايكل سينغ المدير الاداري لمعهد واشنطن "أن رحلة الرئيس الصيني شي جين بينج إلى المنطقة، والتي شملت أيضاً زيارة مصر والمملكة العربية السعودية، كانت استمراراً لمنهجية تعزيز مشاركة بكين في الشرق الأوسط. فقد تكون خطوات الصين أقل تأثيراً من غزوات القوى العظمى الأخرى في المنطقة (منها التدخل الروسي الأخير في سوريا)، إلا أنها لا تقل أهمية عنها". فهذه الخطوات تشير إلى أن الأولوية التي كانت تتمتع بها واشنطن من دون منازع في الشرق الأوسط لعقود طويلة تقترب من نهايتها.
وتهدف الصين من خلال هذا التقارب مع دول منطقة الشرق الأوسط إلى توسيع مصالحها الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، ازدادت مشاركة البلاد في المحادثات النووية الإيرانية، وذلك جزئياً بسبب قلقها المتزايد من أن يهدد الصراع الأمريكي الإيراني أو الإسرائيلي الإيراني صادرات النفط عبر مضيق هرمز، إذ إن اثنين وخمسين في المائة من واردات الصين النفطية تأتي من منطقة الخليج. وفي الآونة الأخيرة، وفي عدة مناسبات، استضافت الصين ممثلي الفصائل السورية المتنازعة. حتى إنها في عام 2013 حاولت اقتراح خطة سلام إسرائيلي فلسطيني خلال زيارات منفصلة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. ومع ذلك، ففي جميع الحالات لم تبتعد الصين عن منهجيات السياسة التقليدية بل استخدمت بدلاً من ذلك الفرص لعرض نفوذها الإقليمي والعالمي المتنامي.
وعلى الرغم من تعزيز مشاركتها في المنطقة، سعت الصين حتى الآن إلى تجنب الوقوف مع جانب ضد آخر في الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط. فقد تراجعت عن سعيها إلى إقامة علاقات وثيقة مع إسرائيل والدول العربية وإيران في الوقت نفسه، وهو أمر بعيد الاحتمال. وبالنسبة إلى هذه الدول، لا تؤدي هذه العلاقات الجيدة مع بكين إلى تعزيز التجارة والاستثمار فحسب، بل إلى حصولها أيضاً على التكنولوجيا العسكرية (على الرغم من أنها ليست بجودة المعدات الأمريكية) من دون شروط سياسية. فعندما ترددت واشنطن في بيع الطائرات المسلحة من دون طيار للإمارات العربية المتحدة، عرضت الصين تقليداً للطائرة من دون طيار من طراز "بريديتور" بسعر أدنى، وهي طائرة "وينغ لونغ".
ويؤكد مايكل سينغ انه وعلى المدى الطويل، سيكون من الصعب على الصين التزام الحياد في إطار نمو المنطقة بشكل ينقسم ما بين قطبين على نحو متزايد. وبالفعل، بذلت الصين جهوداً للرد على الأزمات التي تحرّض حلفاءها ضد بعضهم البعض. وفي هذا السياق، أفادت بعض التقارير أن الصين عرضت المساعدة على حركة «حماس» في قطاع غزة رغم صداقتها مع إسرائيل. وقد ذكرت بعض التقارير أن الرئيس شي أغضب المملكة العربية السعودية عندما ألغى أول رحلة كانت مقررة له إلى الرياض بعد اندلاع الحرب في اليمن. ومن المحتمل أن يكون الرئيس الصيني قد خشي من أن تُصوره تلك الزيارة على أنه يميل جزئياً إلى السعوديين مما سيثير استياء إيران. لكن في نهاية المطاف، لا بد لهذا النهج المتعرج من أن يتعارض مع أحد الأطراف، ولن يُرضي الجهات كافة.