الحياة - بدأت دائرة الجرائم الاقتصادية تأخذ أشكالاً جديدة في التوسع والتمدد في الفترة الراهنة، بحكم ظهور أنماط وأنواع جديدة من الجرائم لدى العقول الإجرامية، التي تستخدم أحدث ما وصل إليه التقدم البشري، لمواكبة حركة التغيرات والمستجدات، وهذا المرض يستدعي مكافحته والعمل على القضاء عليه.
إن الاقتصاد هو عصب الحياة، وأداة رئيسة لبناء الحضارات، ولخدمة الإنسان. ويعتبر الاقتصاد من ضمن أهم المكونات الرئيسة التي تنهض به المجتمعات، ويتطور بها. والقانون هو المنطق والمنطلق لتفعيل الخطة الاقتصادية على أرض الواقع بالشكل الناضج والصحيح.
بين القانون والاقتصاد علاقة وثيقة؛ لأن القانون ينظم الحماية الجزائية للنظام العام الاقتصادي، والسياسة الاقتصادية العامة، ويفرض عقوبة جزائية على كل من يتجاوز القوانين. لذلك القانون يقع عليه عبء مهم وهو توفير الحماية، ولأجل ذلك من الضروري أن يواكب التطور، ويحمي الاقتصاد من العقول الإجرامية غير التقليدية، التي تبحث عن الثغرات لتمرير جرائمها.
وبالنسبة لتعريف الجريمة الاقتصادية في علم القانون فهناك أكثر من تعريف، وتختلف التعريفات نظراً إلى التطورات، واختلاف الأزمان والظروف، والمجتمعات. وفي هذا السياق أشير إلى تعريف موسع للدكتور عبدالرؤوف مهدي بقوله: «هي كل ما يمس الاقتصاد والذمة المالية أثناء مباشرة النشاط الاقتصادي، ويصيبه بخطر أو ضرر. وهي كل سلوك إنساني موجه ضد إدارة الاقتصاد، مخالفاً النظام الجزائي الاقتصادي المتعلق بتحقيق السياسة الاقتصادية، وهي المصلحة الاقتصادية العليا التي ترتبط بالنظام العام الاقتصادي وتصيبها بخطر وضرر».
ومن المعلوم أن الجريمة الاقتصادية تختلف من مجتمع إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى، وهي محل عناية عالية واهتمام لدى المراكز الدولية المتخصصة بعالم الاقتصاد؛ لمعرفتهم بمدى خطورة هذا الملف على الإنسان وكارثيته وهذا شيء مشاهد على أرض الواقع.
الجرائم الاقتصادية غير محصورة في مصنف، ومن أبرز الجرائم التي يشير إليها شُرَّاح القانون، الجرائم المالية كالسرقة والاختلاس والتزوير والرشوة والابتزاز والنصب والاحتيال، وجرائم غسل الأموال، وجرائم التهريب الجمركي، وجرائم الغش التجاري، وجرائم مخالفة التسعيرة الجبرية وجرائم التموين، وجريمة الخداع التجاري للمستهلك، وجريمة الإعلانات الخادعة، وجريمة تزوير العلامات التجارية، وجرائم تزييف النقود، وجرائم الاحتكار، وجريمة الربا، وجرائم البورصات المالية والمصارف، والجرائم ضد البيئة.
وأشير إلى أن الجهة المعنية في التحقيق بالجرائم الاقتصادية هي دائرة الجرائم الاقتصادية في هيئة التحقيق والادعاء العام، وتتنوع الجهات التي توقع العقوبات، غير أن الأصل أن المحاكم الجزائية هي التي تحاكم مرتكبي هذه الجرائم، وستضم قريباً الدوائر الجزائية في ديوان المظالم إلى المحاكم الجزائية في القضاء العام، وستنتقل اختصاصات اللجان شبه القضائية إلى المحاكم الجزائية أيضاً.
خلاصة القول، إن الظروف الراهنة تستدعي سن المزيد من التشريعات والأنظمة لمعالجة القصور، ولأجل التحكم والسيطرة على الجرائم الاقتصادية المعاصرة، والعمل على رفع الوعي بين فئات المجتمع من خلال جميع القنوات والوسائل، ورسم السياسات والاستراتيجيات بهدف التصدي لها بحكم التغيرات السريعة والظروف الراهنة وتطور أنماط الجرائم الاقتصادية.