رغم العلاقات التدخلات الايرانية التاريخية في إقليم كردستان العراق والتي جعلت العلاقات بين البلدبن متينة إلا أن التحولات الكبرى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والصراعات المصالح الإقليمية تشير إلى أن هذا الإقليم سيقطع علاقته مع إيران لصالح التحالف السني الذي تقوده السعودية. الباحث الاستراتيجي فرزند شيركو يؤكد في مقال نشره في معهد واشنطن هذا التوجه موضحا أن تحالف إقليم كردستان مع الكتلة السنية أصبح حقيقة في انتظار الإعلان الرسمي فقط.
منذ عام 1992، عملت «كردستان العراق» على الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع إيران. فعندما بدأت الحرب الأهلية في الإقليم في أواخر عام 1993، لعبت إيران دوراً هاماً: في البداية عن طريق توجيه «الحركة الإسلامية» في كردستان وحافظت إيران على دعمها المزدوج حتى عام 1996، عندما استغلت علاقاتها لتشجيع الطرفين للحفاظ على التوازن السياسي.
علاقة إقليم كردستان المتينة والتاريخية بإيران زعزعها التدخل التركي الذي قلب كل موازين القوى في عام 1996، عندما انخرطت تركيا أيضاً بعمق في أمن «إقليم كردستان العراق». وتجلى ذلك عبر عوامل عدّة أبرزها توفير الدعم العسكري البري والجوي لـ «الحزب الديمقراطي الكردستاني» في حربه ضد «الاتحاد الوطني الكردستاني» و«حزب العمال الكردستاني».
من جهة أخرى، مهّد إسقاط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين الطريق أمام الأردن وقطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية للانضمام إلى الدينامية المؤثرة على السياسات الاستراتيجية لـ «إقليم كردستان العراق». إذ التزمت قطر والإمارات العربية المتحدة باستثمارات كبيرة تساهم في ازدهار قطاعات الطاقة والبنية التحتية في المنطقة، وذلك في جزء منه بغية الحصول على إمكانية أفضل للوصول إلى بغداد. من ناحية أخرى، أتت مشاركة المملكة العربية السعودية في الإقليم كجزء من السياسة الإقليمية لتطويق هياكل السلطة الشيعية ومواجهة النفوذ الإيراني في العراق، جزئياً عن طريق «حكومة إقليم كردستان».
وأدى فترة ما بعد صدام حسين الى تهميش السنة في العراق وحتى عندما حل حيدر العبادي محل المالكي في رئاسة وزراء العراق، تعهد بزيادة المشاركة السنية في القطاعات الأمنية والعسكرية وبحل الأزمة السياسية والاقتصادية الراهنة مع «إقليم كردستان». ولكن لم يتم إحراز تقدم بارز على أي من الجبهتين.
وقد أدى استمرار هذه السياسة إلى إيجاد بيئة لإنشاء تحالف إقليمي جديد من القادة الأكراد والعرب السنة في أربيل، وهو تطور لقي دعم الأردن وتركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبعد غزو تنظيم «الدولة الإسلامية» لشمال غرب العراق، صنفت المدينة بين المدن الهامة ذات الأغلبية السنية مثل اسطنبول والدوحة وأبو ظبي وعمان. حتى إن الزعماء السنة المهددين بالمحاكمة من الحكومة المركزية العراقية اختاروا إما الإقامة في أربيل أو الفرار من العراق عبرها. وتشير جميع الأدلة ان العلاقة بين الأكراد والعرب السنة تزداد عمقاً يوم بعد يوم. وتدعم الرياض أربيل نظراً إلى أنهما تتمتعان بالعديد من القواسم المشتركة ولرغبة الرياض في خلق فجوة في العراق بغية عزل إيران عن سوريا.
أما على الصعيد السياسي، فإذا بسطت المملكة العربية السعودية وتركيا سيطرتهما على أربيل، ستتمكنان من فرض هذه السيطرة ليس فقط على «إقليم كردستان»، بل أيضاً على محافظتي الأنبار والموصل في العراق، مما يساعد على عزل تأثير المرجعيات الشيعية العراقية. وفي النهاية، يمكن أن تشد المملكة العربية السعودية وتركيا وثاق شمال العراق ووسطه وغربه تحت سيطرة تحالف 6+2 (أي دول الخليج العربي الست بالإضافة إلى الأردن وتركيا). ويمكن أن يوفر ذلك طريقاً آمناً لنقل الطاقة إلى تركيا عبر الأردن والعراق. إلى جانب ذلك، من شأنه أن يعزل النظام الإيراني عن الشيعة في وسط العراق.
وفي الوقت نفسه، ترى إيران أن «إقليم كردستان» يحتل موقعاً جيواستراتيجياً هاماً جداً، وتحاول إيران استخدام «إقليم كردستان» لتوفير ممرٍ لنقل المعدات اللوجستية العسكرية والطاقة الى اللاذقية
و بالتزامن مع جولة بارزاني لدول الخليج العربي، وخاصة للمملكة العربية السعودية، رحب الملك والأمراء ببارزاني بطريقة غير اعتيادية، وربما كان ذلك في محاولة للإشارة إلى القوى الإقليمية بأن «إقليم كردستان» قد انضم إلى الكتلة السنية. ووفقاً لبعض المصادر، طلب الملك سلمان من بارزاني دعم منطقة حكم ذاتي سنية في العراق وتمرير مشروع قانون الحرس الوطني من قبل البرلمان العراقي، والذي سيسمح للعرب السنة في العراق بتنظيم قوة مسلحة تضم 100 ألف رجل، على غرار الميليشيات الشيعية . وبناءً على المعلومات المتوفرة، قد يأمل السعوديون باستخدام الأكراد مباشرة لمحاربة الميليشيات الشيعية والحد من النفوذ الإيراني في شمال العراق وسوريا. كما وأكد الملك سلمان لبارزاني على أنه إذا نجح ذلك، ستدعم الرياض «حكومة إقليم كردستان» مالياً، للقضاء على أي حاجة إلى الاعتماد على بغداد.
وفي هذا السياق، تظهر معادلة جديدة تضع أربيل داخل الكتلة السنية. يمكن لهذا التحول أن يغير موازين القوى في المنطقة. وعلى الرغم من البيان الصادر عن رئاسة «إقليم كردستان» مؤخراً والذي ينص على أن «إقليم كردستان» لن يكون جزءاً من أي من الكتل السنية أو الشيعية، إلا أن زيارة رئيس «إقليم كردستان» لمنطقة الخليج تشير إلى نتيجة مختلفة.