ما أشبه اليوم بالبارحة، ما فعلته داعش بمتحف الموصل ظهر أمس، يعيد إلى الذاكر ما حدث قبل الغزو الأمريكي لأفغانستان، في مارس2001 تحديدا، عندما قررت جركة طالبان استخدام الديناميت لتفجير التماثيل العملاقة لبوذا في باميان الأفغانية، بعد أن قصفتها بالدبابات والصواريخ، على الرغم من الاحتجاجات والمناشدات الدولية لإنقاذ الآثار البوذية القديمة في البلاد. وحذرت الأمم المتحدة الحركة من رد فعل مدمر إذا نفذت خطتها ودمرت جميع التماثيل التاريخية في أفغانستان، في حين وصفت منظمة اليونيسكو حملة طالبان بأنها أزمة للتراث الإنساني، وحثت الدول الإسلامية على المساعدة في وقفها. لكن فات الوقت على المناشدات إذ قامت قوات الحركة بزرع متفجرات في الفوهات المحفورة في الصخور، التي نحتت فيها تماثيل بوذا التي يصل ارتفاعها إلى 55 مترا. وكان المسؤولين في الحركة فيها أوضحوا أنهم لن يتأثروا بأي مناشدة فيما يعتبرونه واجبا عليهم، وهو تحطيم الأصنام تنفيذا لأوامر زعيمهم الملا محمد عمر. وكان قد أمر الملا محمد عمر الاثنين الماضي بتدمير كل التماثيل في أفغانستان التي تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام. وقال إن الإسلام أمر بإزالة التماثيل، وبعض الناس يؤمنون بهذه التماثيل ويصلون لها، وهي معتقدات لا يمكن لنا أن نقرها. أما اليوم فقالت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لمنظمة التربية والعلم والثقافة، اليونسكو، "أشعر بصدمة شديدة بشأن لقطات نشرت اليوم تظهر تدمير التماثيل وقطع أثرية أخرى في متحف الموصل. إنني أدين هذا الأمر باعتباره هجوما متعمدا ضد تاريخ وثقافة العراق، وتحريضا على العنف والكراهية". وأضافت أن هذا الهجوم هو أكبر بكثير من مأساة ثقافية - فهو أيضا قضية أمنية تؤجج الطائفية والتطرف العنيف والصراع في العراق، وانتهاك مباشر لقرار مجلس الأمن الدولي الأخير 2199 الذي يدين تدمير التراث الثقافي وينص على تدابير ملزمة قانونا لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية والآثار من العراق وسوريا. وأوضحت أنها طلبت عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن بشأن حماية التراث الثقافي العراقي كعنصر أساسي لأمن البلاد. وقد تم تدمير أو تشويه سبعة تماثيل كبيرة من موقع الحضر، فضلا عن القطع الأثرية الفريدة من المواقع الأثرية في نينوى، وقصر سنحاريب، المعروضة في متحف الموصل، من بين العديد من القطع الأخرى. وقالت بوكوفا "إن التدمير المنهجي للمكونات الإبداعية من التراث الغني والمتنوع في العراق الذي نشهده على مدى الأشهر الماضية غير محتمل ولا تسامح فيه، ويجب أن يتوقف على الفور". فيما اعتبر الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات تحطيم داعش لتراث العراق بمتحف الموصل جريمة ثقافية تضاف الى الجرائم الانسانية التي ميزت التنظيم، التطرف و الارهاب هجوم على الانسان و تاريخه. مضيفا عبر حسابه على تويتر أن مشاهد الهجوم على تراث العراق و تاريخه بمتحف الموصل تذكرنا بإرث طالبان المتخلف في تحطيم تراث افغانستان، متى نتخلص من التطرف و الارهاب. وكان قد نشر تنظيم الدولة الإسلامية بالشام والعراق فيديو مصور على موقع التواصل الإجتماعي يوتيوب عن عملية هدم لأثار نينوي اليوم الخميس. ونشر الفيديو تحت عنوان المكتب الإعلامي لولاية نينوى: الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر . ويظهر الفيديو ومدته 5 دقائق متشددين من تنظيم الدولة داخل متحف الموصل يدمرون تماثيل أثرية تعود للقرن السابع قبل الميلاد. ويصاحب الفيديو آيات قرانية ، ويتحدث أحد المتشددين عن أن هذه الأصنام سبب الشرك . ويظهر في الفيديو هدم لتمثال الملك الأشوري سرجون يعود للقرن السابع قبل الميلاد. وكذلك تمثال للثور الآشورى المجنح داخل المتحف يعود تاريخه إلى القرن التاسع قبل الميلاد. كما يوضح الفيديو تدمير ثور مجنح آخر موجود في "بوابة نركال" الأثرية في مدينة الموصل، علما أن الثور المجنح يعد رمز الحضارة الآشورية التي ازدهرت في العراق وامتدت سيطرتها حتى وادي النيل. ويظهر في نهاية التسجيل المتحف بعد أن تم تدمير جميع محتوياته ، وتدمير جميع آثار مدينة نينوي. وكان التنظيم المتطرف فجر جزءا من "سور نينوى" التاريخي الذي يعود للحضارة الآشورية بعد أن فخخه منذ أكثر من شهر. وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن "سور نينوى" يعتبر من الآثار المميزة في الشرق الأوسط عامة والعراق خاصة، وشاهدا على عظمة الحضارة الآشورية وقوتها منذ آلاف السنين. وبعد حرق آلاف الكتب والمخطوطات، فجر "داعش" المبنى المركزي لمكتبة الموصل في منطقة الفيصيلة وسط المدينة، وحرق محتوياتها من الكتب والوثائق والمخطوطات التي بينها مؤلفات نادرة. ويعتقد أن مسلحي التنظيم يعتمدون في تمويل حملتهم الدموية على بيع التحف الأثرية القديمة إلى جانب بيع النفط. وكان مجلس الأمن الدولي تبنى قرارا أعدت مشروعه موسكو حول منع تمويل تنظيم "داعش" الإرهابي. ويندد القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي في مطلع فبراير/شباط الحالي بالمشاركة المباشرة أو غير المباشرة في التجارة مع تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية ويهدد بفرض عقوبات على المخالفين لهذا القرار. يذكر أن متحف الموصل تأسس في عام 1951 وتتركز مجاميع الآثار في متحف الموصل على آثار عصور ما قبل التاريخ لمنطقة الموصل وآثار العصور الآشورية وآثار مدينة الحضر وآثار الحضارة الإسلامية. وفي عام 1972 تم إنشاء المبنى الجديد لمتحف الموصل والموجود في يومنا هذا، ويتميز المتحف بكونه ثاني أقدم وأكبر متحف في العراق بعد المتحف العراقي في العاصمة بغداد. وقد أغلق المتحف في العام 2003 بعد الغزو الأمريكي للعراق، ولم يفتتح حتى عام 2012 ليستقبل الزوار خاصة من طلبة المدارس والكليات.