العرب - طوّر النائب المسيحي اللبناني ميشال عون اختصاصه مع مرور الوقت ووسّع نشاطه إلى خارج الأراضي اللبنانية. كان اهتمامه في الماضي محصورا بتهجير اللبنانيين، خصوصا المسيحيين منهم، من بلدهم. صار الآن مختصا في تهجير اللبنانيين من البلدان التي يعملون فيها خصوصا في الدول العربية الخليجية.
في القاهرة، لم يكن وزير الخارجية اللبناني، التابع لميشال عون، سوى وزير للخارجية الإيرانية لدى طرح موضوع إدانة الهجوم الذي تعرّضت له السفارة السعودية في طهران وقنصلية المملكة في مشهد. وفي جدة، في اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي، كان الموقف اللبناني متخاذلا، من وجهة النظر العربية، بتوجيهات من وزارة الخارجية في بيروت.
كان منتظرا أن تعتمد وزارة الخارجية اللبنانية موقفا مختلفا يتماشى مع الموقف العربي العام الذي أدان السياسة الإيرانية وممارسات “حزب الله”. لم يعد لدى أي طرف عربي أي وهم حيال السياسة الإيرانية من جهة، والدور الذي يلعبه “حزب الله” من خلال وجوده في الحكومة اللبنانية، في خدمة طهران من جهة أخرى.
لم يكن مطلوبا من الوزير اللبناني الذهاب بعيدا في الاعتراض على السلوك الإيراني وذلك لاعتبارات لبنانية معروفة من بينها أن دويلة “حزب الله” أقوى من الدولة اللبنانية. لا يمرّ يوم إلّا ويكشف “حزب الله” أنّه الدولة في لبنان. كان آخر دليل على ذلك إطلاق المدان ميشال سماحة الذي اعترف بالصوت والصورة أنه نقل متفجرات من سوريا لتنفيذ تفجيرات واغتيالات في لبنان.
كان مفترضا بوزير الخارجية مراعاة مصلحة اللبنانيين العاملين في الخليج، خصوصا المسيحيين منهم، ما دام هذا الوزير على رأس التيار العوني، أي تيار ميشال عون، الذي يشكو، صباحا مساء، من هضم حقوق المسيحيين في لبنان ومن أنّه مصمّم على استعادة هذه الحقوق!
هناك نحو نصف مليون لبناني في دول الخليج العربية. الأكثرية في السعودية. تأتي بعد ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين. هناك أيضا عدد لا بأس به في سلطنة عُمان التي تراعي إيران إلى حد كبير، لكنها اتخذت في القاهرة وجدة موقفا ينسجم كلّيا مع الموقف العربي العام.
أكثر من ذلك، حرص وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، وهو من أصول أفغانية، على عدم قطع شعرة معاوية مع العرب الآخرين، خصوصا مع السعودية. ربّما جاء الجعفري إلى بيروت للاعتذار من وزير الخارجية اللبناني على عدم الذهاب إلى النهاية في مسايرته خلال اجتماع القاهرة. ليس سرّا أن العراق مستعمرة إيرانية بكلّ ما في معنى الكلمة، لكنّ بغداد حافظت على هامش صغير للمناورة، خصوصا بعد اعتراف كبار المسؤولين الإيرانيين، على رأسهم “المرشد” علي خامنئي بأن ما حصل في حق السفارة السعودية كان “خطأ”.
لا شكّ أنّ دولة كبيرة وعاقلة مثل المملكة العربية السعودية تأخذ في الاعتبار الوضع اللبناني وتتفهّم ما يتعرّض له لبنان من ضغوط إيرانية، في ظل غياب الدعم العربي لكلّ من يسعى إلى مقاومة المشروع التوسعي ذي الطابع المذهبي الذي تنفّذه طهران.
يمكن للمملكة أن تتفهم أيضا أن وزير الخارجية اللبناني، إنما هو موجود في هذا الموقع لأنّ التيّار الذي ينتمي إليه متخصص في الإساءة إلى اللبنانيين ومصالحهم، داخل لبنان وخارجه، وذلك منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي عندما كان ميشال عون في قصر بعبدا، وصولا إلى سيطرة “التيّار” على وزارة الخارجية وتحويلها إلى دائرة تابعة لـ”حزب الله” أو للخارجية الإيرانية.
تاريخ ميشال عون حافل بالإساءة إلى اللبنانيين، خصوصا إلى المسيحيين. من لديه أدنى شكّ في ذلك يستطيع العودة إلى الحروب التي خاضها ميشال عون مع اللبنانيين الآخرين، مسلمين ومسيحيين، عندما أصبح رئيسا لحكومة مؤقتة إثر انتهاء عهد الرئيس أمين الجميّل في خريف العام 1988.
كانت مهمة ميشال عون كرئيس للحكومة المؤقتة، وقتذاك، تسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ما الذي فعله عون؟ قصف المناطق ذات الأكثرية الإسلامية في بيروت. انتقل بعد ذلك لخوض حروب مع “القوات اللبنانية” التي كانت لا تزال ميليشيا منتشرة في المناطق ذات الأكثرية المسيحية. هجّر أكبر عدد من المسيحيين من لبنان في تلك الفترة، وأدخل الجيش السوري إلى بعبدا ووزارة الدفاع وتسبب من حيث يدري أو لا يدري باغتيال الرئيس المنتخب رينيه معوّض الذي فجّر النظام السوري موكبه في بيروت الغربية في نوفمبر 1989 بعدما أصبح هدفا سهلا لأجهزته.
منع ميشال عون الرئيس المنتخب من الوصول إلى قصر بعبدا، حيث كان في استطاعته حماية نفسه، وذلك بحجة رفضه اتفاق الطائف الذي كان رينيه معوّض قادرا على تطبيقه بطريقة متوازنة إلى حدّ ما. نفّذ ميشال عون كل المطلوب منه كي تكون هناك وصاية سورية كاملة على لبنان طوال خمسة عشر عاما. ولمّا انتهت الوصاية السورية إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه في العام 2005، انتقل ميشال عون إلى وضع نفسه في خدمة الوصاية الإيرانية من منطلق كرهه لكلّ من هو سنّي في المنطقة ولأسباب أخرى يخجل المرء من ذكرها.
في سياق الخدمات التي قدّمها ميشال عون لإيران ولا يزال يقدّمها لها، نراه الآن يُستخدم أداة في عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. واستخدم في العامين 2006 و2007، في تهجير قسم آخر من المسيحيين اللبنانيين عندما شارك في الاعتصام الذي قام به “حزب الله” في وسط بيروت بهدف التغطية على جريمة اغتيال رفيق الحريري والجرائم الأخرى التي تلتها من جهة، وضرب الاقتصاد اللبناني من جهة أخرى. هل من يريد أن يتذكّر عدد المؤسسات التي أغلقت أبوابها بسبب هذا الاعتصام الطويل؟ هل من يريد أن يتذكّر عدد اللبنانيين الذين هاجروا نتيجة هذا الاعتصام الذي قضى على الآلاف من فرص العمل كانت متوافرة للمسيحيين خصوصا؟
هذا غيض من فيض أفضال ميشال عون على لبنان واللبنانيين، واختصاصه في تهجير المسيحيين من بلدهم. المؤسف في الأمر، أن هناك مسيحيين مازالوا يتبعون هذا الرجل الذي يحظى بدعم “حزب الله” ليكون رئيسا للجمهورية. في الواقع، يتذرع “حزب الله” بميشال عون لتعطيل مؤسسة رئاسة الجمهورية.
من هذا المنطلق ومن هذه الوقائع غير القابلة للدحض، ليس مستغربا إذن أن يكون موقف وزارة الخارجية معاديا لكلّ ما هو عربي، من دون أن يعني ذلك أن الردّ الخليجي يكون بإبعاد لبنانيين يعملون في دول معيّنة. مثل هذا الإبعاد هو ما يطمح إليه ميشال عون وتياره، وما تريده إيران ممثلة بـ”حزب الله” لا أكثر ولا أقل.
إذا كان من سياسة إيرانية في لبنان، فإن هذه السياسة تقوم هذه الأيّام على عزل الوطن الصغير عن محيطه العربي وعن الخليج العربي تحديدا. وهذه سياسة بدأ تنفيذها على الأرض بإشراف حكومة “حزب الله” التي شكّلها السنّي نجيب ميقاتي في العام 2011. ما نشهده اليوم استمرار لهذه السياسة التي لا يكون الردّ عليها بمعاقبة لبنان واللبنانيين، بل بالمزيد من الدعم الخليجي والمزيد من الاحتضان العربي للبلد الواقع تحت السيطرة الكاملة لميليشيا مذهبية، ولكن لا يزال فيه من يقاوم الظلم والوصاية الجديدة.