الرياض - مما لا شك فيه أن العالم بأسره يمر بمخاض عسير بعضه اقتصادي وبعضه أمني وبعضه طمع وحب توسع واستحواذ، وأغلبه محاولة بقاء في القمة وعدم السماح للاخر بتسلق دروب التقدم والرخاء ناهيك عن محاولة فتح فرص استثمار تتمثل في الحصول على جزء من كعكة اعادة الاعمار بعد الدمار.
والذي لا شك فيه ان تلك الازمات يقف خلفها مخططون ومنظّرون واستراتيجيون وجهابذة مخابرات وتجار حروب ومنظمات جريمة منظمة وقبل ذلك وبعده يقف خلف هؤلاء وأولئك من له مصلحة في خلط الاوراق التي تفضي الى الفوضى لان الفوضى تمكن من تحقيق الهدف المنشود والذي يتمثل في اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط حسب المعايير والمقاسات التي تناسب بني صهيون الذين آلوا على انفسهم الا ان يقيموا دولتهم على حساب العرب والمسلمين بأي ثمن وبأية وسيلة ولهذا عملوا على اجتماع الحقد الفارسي مع الحقد الصهيوني القديم والحديث وتم توجيه الحقدين ضد العرب والمسلمين من خلال الصاق تهمة الارهاب بهم والعمل على نشره ودعمه بزرع الطائفية وتعميق الشقاق وتفتيت مكونات الشعوب العربية وجعلها فرقا وطوائف وأعراقا متناحرة من خلال استنبات الجاهلية بكل ابعادها..
ولا شك ان واقع المنطقة وتخلفها عن ركب الحضارة يساعدان على ذلك.
وفي سبيل تحقيق ذلك تم غض الطرف عن التسلح الايراني وسلم العراق لايران على طبق من تآمر وخذلت المقاومة السورية وترك حزب الله يعبث بمقدرات لبنان حتى اصبح دولة داخل دولة، ناهيك عن عدم مجابهة الروس عند دخولهم الى سورية. ليس هذا وحسب بل ان التنسيق بين اميركا وروسيا يقوم اليوم على قدم وساق من خلال اللقاءات التنسيقية المتكررة بين وزيري خارجية البلدين التي توجت بلقاء القمة بين بوتين واوباما قبل عدة ايام وذلك على الرغم من العداء الظاهري بينهما.
ان التحالف الدولي الذي تقوده اميركا ضد داعش منذ اكثر من سنتين والذي تشترك فيه اكثر من (80) دولة حول العالم لم تظهر له نتيجة محددة بعد. وكل ذلك من اجل ان يتم التحرك الى الخطوة التالية والتي تتمثل في تشكيل جيش سني يحارب داعش وهذا بدوره يثير مجموعة كبيرة من الاسئلة والتصورات التي لا بد وان تثير بدورها مجموعة كبيرة من الاحتمالات يتمثل بعض منها في الاسئلة التالية:
- إن المراقب يرى ان أميركا تقود تحالفا جويا دوليا لمحاربة داعش وتعمد الا يكون فعالا حتى الآن لان الهجمات الجوية لذلك التحالف لم تحرز تقدما يذكر.. فأين الخلل؟
-المتابع يقول اذا كانت أميركا جادة في محاربة داعش فلماذا لا تحارب من اوجد داعش وهما نظام الاسد الذي يستفيد من ذلك التنظيم في محاربة المعارضة السورية ويدعمه من خلال شراء البترول منه. ليس هذا وحسب بل لماذا لا تتم محاربة نظام الملالي في طهران الذي وقف خلف انشاء داعش من خلال دميته في بغداد نور المالكي الذي اطلق سراح عدد كبير من المجرمين من سجون بغداد (1000) سجين دفعة واحدة وادعى انهم هربوا.
بل ساعدهم على تشكيل تنظيم داعش ودعمهم عسكريا من خلال تمثيلية انهزام الجيش العراقي وترك اسلحته لهم.. ألم يكن ذلك من اجل تحقيق هدفين الاول امداد تنظيم داعش بالاسلحة والثاني تشويه سمعة الجيش العراقي تمهيدا لكي يتمكن المالكي من انشاء الحشد الشعبي الطائفي الذي يدين بولائه لايران ناهيك عن ان المالكي قام باستيراد اكثر من (600) سيارة لاندكروزر سلّم اكثر من نصفها الى تنظيم داعش وعندما اثارت أميركا التساؤل من اين حصلت داعش على هذا العدد المهول من سيارات لاندكروزر لم تتم الاجابة عن هذا السؤال حتى الان، ولم تلح أميركا من اجل الحصول على الاجابة لانهم يعرفونها.
وهذا يعني انهم يعلمون من يقف خلف داعش. وهذا يعني ان داعش وتد ركز من اجل تحقيق اهداف بعيدة المدى والامر لم يقتصر على ذلك بل ان عوامل الردع في المنطقة تتم ازالتها وخير شاهد على ذلك ان من اهم المفارقات في ازمة التصعيد في المنطقة العربية ما تداولته نشرات الاخبار قبل شهرين من الان عن سحب أميركا للاسطول الخامس الأميركي من البحرين وسحبها لبطاريات باتريوت من تركيا فماذا يعني ذلك؟
ومع ذلك يتم اليوم توسيع التحالف ضد داعش بقيادة أميركية وذلك من خلال الحث على التدخل البري الذي سوف تشترك فيه عدد من الدول العربية والاسلامية واذا كان ذلك سوف ينهي المأساة ولا يوسع نطاقها فالكل يرحب بذلك الا ان ذلك التوسع يحتاج الى عدد من الضمانات التي يجب ان تتحقق قبل البدء في التدخل البري وذلك مثل:
- ان يكون التدخل البري تحت قيادة أميركية وتحت مظلة الامم المتحدة لأن العالم بكامله مسؤول عن محاربة الارهاب وهذا يعني ان تتبنى الامم المتحدة مثل ذلك التحالف وان تصبح جميع الجيوش المشاركة تحت لوائها من حيث الشعار واللباس والعلم وذلك حتى لا يقع اللوم على اية دولة منفردة من ناحية وحتى يتم استقطاب اكبر عدد من الدول المشاركة في ذلك التدخل من ناحية اخرى ومن اجل ان يصبح الممانع للتدخل مثل روسيا وايران ونظام الاسد امام العالم بأسره وهذا يعريهم ويفضحهم ويحد من الخيارات المتاحة امامهم.
- بما ان أميركا ودول حلف شمال الاطلسي من المتضررين من الارهاب وهم جزء من التحالف لمحاربته فإن كلا من أميركا وحلف شمال الاطلسي يجب ان يضمنا عدم تدخل الروس في مثل ذلك الاجراء خصوصا ان التشاور والتنسيق بين كل من روسيا وأميركا يسير على قدم وساق وعلى اعلى المستويات.
ولغرض حماية الدول المشاركة في ذلك التحالف فإنه يجب ان يتم انشاء درع بل قبة دفاع صاروخية لحماية اجواء ومنشآت دول الخليج كإجراء احترازي ضد اي استهداف من اي مصدر كان سواء أكان من قبل ايران ام غيرها وتعزيز ذلك بتواجد عسكري استراتيجي في المناطق القريبة من مناطق النزاع والالتزام الكامل بالدفاع عن الحلفاء ضد الغطرسة الروسية خصوصا تركيا التي اصبحت تحت التهديد الروسي المباشر وبما ان تركيا عضو في حلف شمال الاطلسي فلا بد من ان يتحرك ذلك الحلف بقضه وقضيضه ويفي بالتزاماته تجاه تركيا ارضا وجوا وبحرا، وهذا لا يمكن ان يكون من خلال البيانات فقط بل لابد من ان يكون ذلك مشاهدا على ارض الواقع من حيث العدد والعدة. وبدون ذلك فإن التدخل البري من الاراضي التركية سوف يؤدي الى خلط الاوراق بين روسيا وتركيا خصوصا ان العلاقة بين البلدين وصلت من التوتر الى درجة الاشتعال الا اذا كان ذلك احد الاهداف المقصودة.
- إن الحراك العسكري المتسارع في المنطقة ينبئ عن ان هناك احتمالا لدخول اطراف عديدة في ذلك الشرك ما قد يؤدي الى حرب عالمية بالوكالة على الارض العربية والاسلامية والتي قد تطول حتى تقضي على الاخضر واليابس. ولا شك ان ذلك يصب في مصلحة من يسعى الى تدمير المنطقة برمتها من اجل ضمان عدم نهوضها لعقود قادمة من الزمن ناهيك عن الحد من عدد سكانها ومنع نموها السكاني من خلال الحرب اولا، ومن خلال ما يترتب على تلك الحرب ثانيا.
ألم يقل صموئيل هنتنجتون في كتابه صدام الحضارات ان العالم الاسلامي يعتبر اكبر مهدد للحضارة الغربية بسبب سرعة نمو وتكاثر عدد سكانه وامتلاكه مقومات النهضة والتقدم من ناحية، وتراجع نمو وتكاثر سكان الغرب من ناحية اخرى؟ ناهيك عن العوامل التاريخية الاخرى التي تحفز مثل ذلك الحراك المدعوم بضغوط الحركة الصهيونية وتبنيها هذا الطرح ناهيك عن اطماع الشركات الاحتكارية.
- إن الجميع يعرف ان هزيمة داعش تتم اولا واخيرا بتقليم اظفار من أوجدوها وهما نظام الاسد في دمشق، ونظام الملالي في طهران وأذنابه في العراق، اما التحالف البري الذي سوف تقوده أميركا فسوف يؤدي الى مزيد من خلط الاوراق وسط هذا التعامي عن حقيقة الموقف ومسبباته خصوصا ان اسلوب ادارة أميركا للازمة ينبئ عن انها تمارس التمييع من جهة، وتوسيع نطاق المواجهة من جهة اخرى، وتوريط اكبر عدد ممكن من المتخاصمين من جهة ثالثة فأميركا هي التي سلمت العراق الى ايران، وأميركا هي التي افشلت دعم المعارضة السورية، وأميركا هي التي تراجعت عن تدريب المعارضة السورية وأميركا لم تواجه التدخل الروسي وأميركا هي التي تمارس الضغوط هنا وهناك من اجل مزيد من التصعيد، وقليل من الانجاز.
نعم منطقة الشرق الاوسط كانت وما زالت مصدر البترول وشريان الطاقة الذي يعتمد عليه العالم بأسره الا انه بعد اكتفاء أميركا من البترول والغاز الصخري ونجاح الاخرين في ايجاد مصادر بديلة له اصبح بترول الشرق الاوسط منافسا يجب الحد من سلطانه وهذا ربما يكون من بين عدد من الاسباب الاخرى التي جعلت المنطقة تستهدف وتعيش على كف عفريت.
ان المخططين الاستراتيجيين في مراكز الدراسات الاستراتيجية لهم نظرة بعيدة المدى حتى انهم يضعون الخطط الاستراتيجية والبرامج والاحتمالات للخمسين سنة القادمة بينما دول العالم الثالث ومنها الدول العربية والاسلامية تدير حراكها على اساس "غدا بظهر الغيب واليوم لي".
وبمناسبة ذكر ازمة اسعار البترول لا بد من الاشارة إلى ان انخفاض اسعار البترول سوف يكون احد الاسباب الرئيسية لسرعة تطوير تقنيات استخراج البترول والغاز الصخري من اجل خفض تكلفة انتاجه ذلك ان انخفاض اسعار البترول سوف يوفر السيولة التي يمكن ان يوجه جزء منها لصالح البحث والتطوير في مجالات تطوير بدائل الطاقة والاستخراج المحسن للبترول والغاز الصخري ولذلك يجب الا نفجأ بمنافسة تلك المصادر للبترول الاحفوري على المدى القصير والمتوسط.
وعلى اية حال فإن الشركات الاحتكارية هي المستفيد الاول من اعادة اعمار ما خربته الحرب في كل من العراق وسوريةة وليبيا وغيرها من الاقطار وهذا يعني ان وراء كل مصيبة مستفيدا.. حمانا الله من شر الاشرار وتدبير الفجار. والله المستعان