الرياض - منذ أن أشاع الدكتور جوزيف ناي مفهوم القوة الناعمة كدلالة لاستناد الدول واعتمادها أساليب وطرقاً غير عسكرية لإحداث قدرة على التأثير والفعالية والإقناع، تلك الأساليب التي تركز على إبراز ما تمتلكه تلك الدولة من إرث تحضري وثقافي يسهم في تعزيز صورتها على المستوى الدولي بعيداً عن تسجيل حضورٍ يكون الفضل فيه لقوة النار والسلاح التي دائماً ما يرمز تفوقها إلى القدرة على السيطرة.
وظل هذا المفهوم رائجاً إلى حد كبير في أدبيات الدبلوماسية العامة والسياسة الدولية خلال العقد الماضي، وتحديداً بعد أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من حملات عسكرية، وإجراءات أمنية مشددة، أثرت بشكل كبير على صورة أميركا كبلد متنوع وحر، وإثر ذلك كان ولا بد من إبراز وإظهار شيء من ذلك الإرث المثالي لترميم الصورة الذهنية، وتسليط الضوء مرة أخرى على الحضور الأميركي الإيجابي.
خلال العقد الماضي وإبان رئاسة الرئيس الأميركي باراك أوباما التي اتسمت بحذرها في التعاطي مع الحلول العسكرية، وإحجامها عن اتخاذ قرار بإرسال الجنود الأميركيين إلى مناطق القتال، واستبدالها ذلك بالمبادرات السياسية، ويحضرنا هنا ملف الأزمة السورية.. ساهم هذا التواري الأميركي العسكري من المنطقة سواء في العراق أو أفغانستان أو تخليها عن سورية على سبيل المثال إلى تضعضع صورة واشنطن بين دول المنطقة؛ إذ يرون أن واشنطن أدارت ظهرها عنهم في حين اضطلعت روسيا وحلفاؤها بالأمر، تسبب ذلك بتأثير بليغ في صورة أميركا والرئيس أوباما الذي يمكن اعتبار وصوله إلى البيت الابيض ذروة القوة الناعمة الأميركية لكنه خيب ظن الدول العربية التي توقعت منه أن يكون متعاطفاً مع قضاياها مختلفاً عن سلفه جورج بوش الابن.
وهذا يجعلنا نجادل مفترضين: هل قليل من القوة الصلبة ضروري في تعزيز القوة الناعمة؟ فوقائع المنطقة على أقل تقدير تقول إن امتناع الولايات المتحدة عن التدخل العسكري في سورية، وإهمال القضية الفلسطينية، والتقارب مع إيران أضر بصورة واشنطن وشعبية أوباما على المستويين الشعبي والنخبوي أيضاً.. ولو تتبعنا وتأملنا رحلة الصعود الأميركي، وسيادتها كقوة عالمية نجد تلك السيادة إنما تأتّت بقوة السلاح، وأفلام الكاوبوي، وحرب النجوم، ومنذ إلقاء قنبلتي هيروشيما ونجازاكي الذريتين أصبحت أميركا القوة الأولى في العالم، وهذا لا يعني بالتأكيد تأييد واشنطن في مغامراتها العسكرية وهي كثيرة، فالحرب أكثر الأدوات سوءاً، لكنها في لحظة ما تبدو لا مفر منها، وقليل من الصرامة ضروري أحياناً لإعادة الأمور إلى نصابها.