الرياض - لكي لا تكون الهدنة في سورية فرصة لإعادة حشو البنادق وتصويبها من جديد، ولكي لا تكون فرصة لالتقاط الأنفاس استعداداً لنزال طالت أشواطه، جدير بالفاعلين الدوليين في الأزمة السورية ونعني هنا تحديداً الولايات المتحدة التي اختارت أن تناور في هامش السياسة لخمس سنوات، وروسيا التي فضلت اللعب مباشرة لتحقيق الهدف وبلوغه، جدير بهما ممارسة دور تاريخي في حق هذه الكارثة الإنسانية التي يئن بسببها ملايين السوريين بين فاقدين لعائلاتهم أو تائهين بين الحدود، أو يائسين في مخيمات اللجوء.
في منتصف هذه الليلة يجدر أن تدخل الهدنة حيز التنفيذ ويخفت صوت النار الذي ساد لسنوات، بعد أن تحولت سورية إلى ساحة نزاع دولي مخيف، دفعت بعض الاستراتيجيين إلى التخوف من اندلاع حرب عالمية ثالثة، نظراً لدقة وحساسية الاشتباكات الدائرة هناك والتي تطورت منذ خمس سنوات من مظاهرات داخلية لإصلاح النظام إلى اشتباك بين روسيا وتركيا إحدى أهم دول الناتو.
في اليومين الماضيين كان مستوى الاتصالات التي جرت بين قادة الدول المنخرطة في حل الأزمة السورية لافتاً ومتوقعاً، وعلى الرغم من الرغبة التي قد تحدو كثيراً منهم بوضع الأزمة على طريق السلام، إلا أن تلك الرغبة ليست كافية لتحقيق المطلوب بجعل السلام أمراً ممكناً، فهذا الأمر لاتجدي معه تمنيات أو رغبات بل أن يتعدى ذلك إلى المبادرة والتنفيذ.
إن الوضع في سورية معقد للغاية، والدول النافذة تركت الأمور هناك حد التعفن وأسوأ ما يمكن أن تواجهه الهدنة الوقوع في خطأ ضرب المعارضة المعتدلة، ما يجعلنا اليوم مضطرين إلى إرساء قواعد جديدة للاشتباك، كما أن محاولة الاستفادة من الهدنة للقيام بتحركات عسكرية الهدف منها الاستعداد لمرحلة ما بعد الهدنة ستعمق الأزمة، وتنذر بخروجها عن المسار السياسي المدعوم من المجتمع الدولي، كما وأن على روسيا التي تقوم بعمليات عسكرية واسعة في سورية أن تضع حداً وخطة واضحة لضمان التزام قوات النظام والمليشيات الإيرانية بالهدنة التي أعلنت موسكو عن دعمها، وأبدت من خلال الاتصال وتصريحات الرئاسة الروسية حرصها على تنفيذها.
منذ اندلاع الثورة السورية اتخذت المملكة موقفاً مناهضاً ضد الجرائم التي ارتكبها النظام السوري بحق شعبه ولا يزال مستمراً منذ خمس سنوات وراح ضحيتها (300 ألف) إنسان، وملايين اللاجئين والنازحين، وسعت الرياض إلى منع تدهور الوضع في سورية، إلا أن النظام اختار مواجهة شعبه فكان أن مني بخسارة وهزيمة لا ضرورة لإعلانهما.
حري أن تكون الهدنة المنتظرة إجراءً معتبراً لحسن النوايا للبدء في عملية سياسية على قواعد "جنيف 1"، وفرصة إنسانية للقرى المحاصرة بأن تنال نصيبها من المساعدات الإنسانية بعد أن أفضت عمليات الحصار الوحشية التي تقوم بها قوات النظام السوري إلى موت المدنيين المحاصرين جوعاً أو مرضاً.
إن اللحظة التي نمر بها بعد خمس سنوات من الصراع المتوحش في سورية تجعلنا مترددين في الوثوق بالتزام النظام بهذه الهدنة، وهنا تقع المسؤولية على موسكو القادرة على كبح جماح هذا النظام ومليشيات إيران المتعطشين للدماء.