2016-02-29 

تقارب سني سني لمواجهة حزب الله.. أين ذهبت العروبة

شادي علاء الدين

العرب - التُرجمت النصيحة السعودية بلم الصف السني في لبنان بلقاءات بين سعد الحريري وبعض الوجوه السنية المعارضة للتوجهات السعودية، من قبيل الوزير السابق عبدالرحيم مراد والنائب محمد الصفدي. كذلك لم تبد الغضبة الحريرية من مواقف وزير العدل اللبناني أشرف ريفي في الحكومة، التي دفعته إلى إطلاق تغريدة يعتبر فيها أن ريفي لا يمثله، ذات مفاعيل تنفيذية، بل وعلى العكس من ذلك، حل الوزير ريفي ضيفا مكرما ومرحبا به في ذكرى الرابع عشر من فبراير التي تزامنت مع عودة سعد الحريري إلى البلاد.

 

كذلك بدا النائب المقصى من كتلة المستقبل خالد الضاهر حاضرا في كل المناسبات المستقبلية وغيرها، وهناك اتجاه لإعادة تصويب علاقة المستقبل مع شخصيات سنية لا تدور في الفلك السعودي، من قبيل رئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب السابق أسامة سعد، والوزير السابق فيصل كرامي، ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي.

 

يدور الحديث حول سياسة سعودية جديدة في لبنان تقوم على السماح بتعددية الأقطاب السنة، والخروج من حصرية التمثيل السني الحريري، والسماح بتعددية الأقطاب يصب في خدمة وحدة القرار الذي يعنى بدعم السعودية، والحرص على صورتها ومصالحها.

 

لا تريد السعودية أن يخرج من لبنان أي صوت سني معارض لها، وبذلك تريد أن تحكم السيطرة على العنوان السني في لبنان، وتأهيله لضرورات المعركة مع إيران وحزب الله، والتي لن تكون ممكنة في حال بقاء الاستثمارات الإلهية في الوسط السني فاعلة، وجاهزة لتخريب وحدة السنة من الداخل.

 

التقارب السني يشبه في طبيعته وشكله التقارب الذي تم مؤخرا بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، إثر ترشيح سعد الحريري النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. الطرفان المسيحيان أبديا حرصا كبيرا على وصف تقاربهما المستجد بأنه مصالحة مسيحية، وليس تحالفا ظرفيا بني على أساس لحظوي، من دون أن ينطوي على مشروع وحدة سياسية. الوقائع تقول غير ذلك لأن مواقف جعجع في ما يخص عنوان العلاقات مع السعودية، التي يشغل حاليا موقعا رئيسيا في الساحة اللبنانية، تتناقض مع مواقف التيار العوني الذي كانت مواقف رئيسه ووزير الخارجية جبران باسيل المسبب الأساسي للتأزم الذي تعاني منه هذه العلاقاتكذلك لا تتخذ صيغة التقاربات السنية – السنية طابع التوافق على مشروع موحد، وذلك على الرغم من أن الشخصيات التي يتقارب معها الحريري، تخرج بعد لقاءاتها معه بمواقف مؤيدة للسعودية.

 

هذا التأييد الظرفي لا يعني شيئا فعليا على أرض الواقع، كون هذه الشخصيات تحصر التقارب فقط في عنوان رفض الاعتداء على السعودية، وهو عنوان عام كررته حتى القوى التي صدرت عنها الاعتداءات ذات لحظة، ولكنه لم يتبلور في إطار دعم للمشروع السعودي الجديد والقاضي بمواجهة حزب الله. السعودية لا تطلب حاليا دعم مواقفها بخصوص الاعتداء على سفارتها، بل تطلب التأييد في مشروع المواجهة مع إيران وحزب الله، وهو ما لا يبدو أن أيا من القوى التي يتقارب معها المستقبل بصدد الموافقة عليه.

 

هل من المتوقع أن يكون التقارب مع شخصيات أقامت طويلا في حضن المخابرات السورية، وأحضان حزب الله، مفيدا في مشروع مواجهة النفوذ الإيراني في لبنان أكثر من مد يد الدعم والعون لأبناء منطقة الطريق الجديدة، الذين استقبلوا سعد الحريري حين جاء لتأدية الصلاة في مسجد الإمام علي بهتافات التأييد للسعودية.

 

لماذا يبقى الصادقون في ولائهم للسعودية، والذين لم يقصروا يوما في التعبير عن الشكر والتقدير لها غير مسموعين وغير مرئيين، ولا تمد لهم الأيادي التي تمد إلى الخصوم والأعداء. ما يقال عن أهالي منطقة طريق الجديدة ينطبق على فقراء عكار ومناطق الشمال، الذين يقبعون في غياهب سجون الدولة المخطوفة، وفي سجون وأقبية تعذيب حزب الله السرية، بسبب تعبيرهم عن الولاء والإيمان بالمشروع السعودي الذي يرون فيه تعبيرا عن إسلامهم المسالم وغير الإسلاموي.

لماذا كل هذا الترحيب بالأعداء في حين لم تنقطع الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي الخليجية عن نشر وجهات نظر تضع اللبنانيين جميعا في خانة العداء للسعودية ودول الخليج، ولماذا هذا التعامي عن الأصوات التي لم تكف عن التعبير عن دعمها، وهي أصوات ليست سنية وحسب، بل إن بعضا من أبرز الأصوات التي فتحت حربا لا هوادة فيها ضد المشروع الإيراني في لبنان كانت أصواتا شيعية. لماذا لا يزال إبراز هذه الأصوات والتحالف مع أصحابها غير ملحوظ في مشروع المواجهة المطروح مع حزب الله، الذي يبدو أنه في طريقه لاتخاذ صيغة سنية شيعية.

 

لا يبشر هذا العنوان الأخير بخير كثير، لأنه يستبعد مكونات العروبة التي تقوم على أساسها الصحوة السعودية نفسها، والاستجابة الواسعة لها. المكونات الشيعية والمسيحية المستبعدة كانت في أساس تكوين المشروع العربي في لبنان.

 

قد تكون فكرة الحرب على إيران وحزب الله، وما تقدمه من وعود بالتخلص من ضرب الحضور الإيراني في المنطقة والتحرر من نير حزب الله في لبنان، عنوانا شديد الإغراء، ولكن السؤال عن اليوم التالي بعد الانتصار هو سؤال مخيف كذلك، لأن الانتصار لا ينطوي على عناصر جامعة، بل على بعد طائفي يمثل انهيارا لمشروع العروبة.

 

في لبنان أكثرية عروبية، وأقليات طائفية سنية ومسيحية وشيعية ودرزية، فلماذا تبدي السعودية اهتماما بالأقليات، وتهمل الاستثمار في هذه الأكثرية تحت صيغة تسعى إلى تكريس تأييد سني عام وتام لمشروعها. مثل هذا المشروع وحتى في حال نجاحه التام، فإنه لن يؤمن للسعودية البعد الذي يمكن أن يكون حاسما في المعركة الكبرى التي تنوي خوضها ضد مشاريع تفريس المنطقة، لأنه عنوان جزئي وليس كليا، ويمكن في أي لحظة التخلي عنه، في حين أن العروبة تشكل أفقا شاملا وبعيد المدى.

 

ببساطة لا يمكن للسعودية أن تخوض معركة مواجهة الخطر الفارسي لا في لبنان ولا في أي مكان بالسنة فقط، إنما يمكنها ذلك بالعروبة، ولكن ما لا يبدو مفهوما هو لماذا ترفع عنوان العروبة وتدعو إلى لم الشمل السني في لبنان مع خصوم العروبة ومشوهيها من أمثال عبدالرحيم مراد وسواه؟

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه