2016-03-01 

مشروع الأمن العربي

أحمد الجميعـة

 

الرياض - لا يزال الواقع العربي أكثر سوءًا منذ انطلاق ثورات ربيعه، ومنكسراً أمام مواجهة مخطط غربي فارسي يريد له الفوضى والفتنة والانقسام والتقسيم، ومأزوماً في داخله العاجز عن الصمود واحتواء ردود الفعل، ومرتبكاً في وحدة صفه واستقلالية قراره، حيث نرى الإرهاب يضرب مكوناته ويستحوذ على أراضيه.. والحرب والتهجير أخذت إنسانه وثرواته إلى مكان لا يليق.. والتدخل في شؤونه وصلت إلى حدٍ لا يطاق.. وأمنه واستقراره على محك الخوف، والفقر، والفساد، والجريمة.

 

أين العراق الذي كانت عاصمته ترجّح كفة العرب في المواجهة والصمود قبل أن يتحول إلى ساحة طائفية ونفوذ للمد الفارسي؟، وأين سورية التي كانت تنبض بالعروبة قبل أن ينقلب نظامها المجرم على شعبه وأمته وينحاز إلى القتل والتدمير؟، أين لبنان البلد العربي الجميل بأرضه وإنسانه قبل أن يختطفه حزب إرهابي ويملي عليه أجندات الولي الفقيه؟، وأين ليبيا التي خاضت حرب الشرف والبطولة ضد المستعمر قبل أن تتحول إلى صراع داخلي وملاذ للدواعش الجدد؟، وأين اليمن التي حاولت ميليشيات مأجورة أن تأخذه إلى مستنقع الطائفية والانفراد بالسلطة على حساب شرعيته وتاريخه وجغرافية حدوده؟.. وكيف هي مصر التي تواجه تحديات الصمود أمام واقعها الاقتصادي المنهك؟، ومثلها الأردن وتونس والمغرب والقائمة تطول.. وقبل ذلك كله أين هي قضية فلسطين التي تخلى عنها الكثيرون من العرب، وتركوا شعباً مناضلاً يواجه مصيره أمام آلة الحرب والعدوان الإسرائيلية؟.

 

دول الخليج وحدها تحملت العبء العربي، وتنبهت منذ العام 2001 إلى خطر المؤامرة بحجة مكافحة الإرهاب، وما تبعه العام 2003 من غزو للعراق، وما نتج عنه من إستراتيجية الفوضى الخلاقة لشرق أوسط جديد العام 2006، وصولاً إلى ثورات الربيع التي تحولت إلى خريف لم يبق أثراً للوحدة والاستقرار العربي.. نعم دول الخليج وعلى رأسها المملكة كانت على مستوى مسؤولية هذا الواقع وتصدت ولا تزال لخطر المخطط الغربي الفارسي، وكانت البداية من "عاصفة الحزم" التي قطعت الطريق على أحلام ونفوذ فارس، وأعادت التوازن إلى مصر وتونس، وتركت اللبنانيين أمام واقع لا يقبل الانقسام لحماية الدولة من عبث حزب الله، وفتحت طريق الأمل والعمل في العراق، وتواجه مطلب الأمة بإزاحة نظام الأسد بدعم المعارضة وتوحيد صفوفها والتمسك بقرارات جنيف (1).. المملكة لم تتخل عن دورها العربي والإسلامي، وأصبحت رغم التحديات وتخاذل البعض مصدراً للأمن والاستقرار، وعزاً للعرب، ومناصرة قضاياهم، والوقوف بجانبهم ليتحملوا مسؤولياتهم.

 

ويبقى الملف الأمني واحداً من أهم الملفات العربية التي يعوّل عليها اليوم في مشروع التصدي، وكسر شوكة "الإرهاب الأجير"، وتجارة المخدرات التي تموّل عمليات القتل والتدمير في المنطقة، حيث لا يمكن أن تنهض الأمة العربية من واقعها المخيف إلاّ بالأمن الذي يحرّك الاقتصاد والتنمية، ويحدد مسارات التوجه السياسي في المنطقة، ولا يمكن أن نقطع الطريق على نفوذ إيران ومن له مصالح في "الفوضى الخلاقة" إلاّ بحماية الأرض من التقسيم، وتحرير فكر الإنسان من التبعية والطائفية.

 

اليوم يجتمع وزراء الداخلية العرب في العاصمة التونسية، وفي ظرف عربي أمني بالغ الحساسية، ولا ينفصل عن تبعاته السياسية والعسكرية والاقتصادية، حيث الإرهاب يتمدد على أكثر من قطر، وتجار المخدرات يستغلون الظروف الأمنية لتمرير سمومهم إلى شباب الأمة، ومظاهر الفوضى تعج في عواصم الثقل العربي، والتدخل الإيراني يسبق الجميع لفرض أجنداته.. هذا الواقع المرير بحاجة إلى رؤية عمل جديدة، والتصويت على قرارات لا تقبل التخاذل أو التحفظ وترقى إلى مسؤولية الأحداث والمواجهة وتسمية الأشياء بمسمياتها، خاصة من ثبت تورطه في هذا الواقع، وعلى رأسها حزب الله اللبناني الذي يجب ألا ينأى البيان الختامي عن تسميته، وفضح دوره، وكذلك مليشيات الحوثي، والدواعش، والقاعدة، والجماعات والحشود التي أخذت دور الوكالة عن إيران.. لا يكفينا اليوم إدانة واستنكار للإرهاب، ولا يكفينا مراجعة الاستراتيجيات الأمنية لمكافحته، أو تفعيل الاتفاقيات الأمنية بين الدول الأعضاء.. ما هو مطلوب هو مشروع عربي نلتزم به، ونتعاهد عليه، ونتحالف فيه؛ لنقطع رأس الأفعى الإيرانية في المنطقة، ونحرر الأرض من الفوضى.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه