العرب -عام 2009 وأمام أنظار وسائل الإعلام اشتعلت شوارع العاصمة الإيرانية طهران ومدن أخرى بتظاهرات نظمها الحراك الإصلاحي احتجاجا على قيام “الأصوليين” بتزوير الانتخابات الرئاسية لمصلحة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، وقد أدت تلك التظاهرات والاحتجاجات إلى موجة عنف انتهت بسحق المتظاهرين ومحاصرة قادة التيار الإصلاحي، ثم وضع بعضهم تحت الإقامة الجبرية، كما حدث مع المرشحين الرئاسيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي.
وقد سجلت بعض المنظمات الإيرانية إحصاءات بأعداد قتلى ومعتقلين، بعضهم خضع لاحقا للمحاكمة، فيما يقبع الكثيرون في السجون دون محاكمة، وقد نظر الكثير من المراقبين وقتها، إلى تلك الحركة الاحتجاجية على أنها بداية فعلية لربيع إيراني قد يكون قادرا على إخراج الجمهورية من تحت عباءة المرشد الثقيلة، والتي لا يجرؤ أحد على مسها، والتي يخرج من تحتها أصوليو السلطة ومعتدلوها أو إصلاحيوها.
التهليل الغربي اليوم بتمكن الإصلاحيين من الفوز بأغلبية المقاعد البرلمانية في الانتخابات النيابية التي أجريت نهاية الشهر الماضي، لا يختلف عن تهليلهم في مرات سابقة لمثل هذا الصعود الإصلاحي.
بدأ الأمر حين تعاملت بعض المؤسسات الغربية وربما العربية مع الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي على أنه حامل راية الإصلاح في جمهورية المرشد، وصحيح أن خاتمي استطاع أن يتجول في العديد من العواصم طارحا رؤيته لحوار الحضارات، ومبشرا بعصر جديد إلا أن كل ما قاله ظل حبرا على ورق، فقد شهدت إيران في زمنه “الإصلاحي” تمددا غير مسبوق خارج حدود الدولة، وبرز الحرس الثوري لاعبا أساسيا في الحالة العراقية المضطربة غداة الغزو الأميركي، وعبثت ميليشياتها الطائفية بكل ما يمكن العبث به، وما زالت باقية وتتمدد على حساب دماء العراقيين ووحدة وطنهم، وقد تدخلت إيران في كل كبيرة وصغيرة في شأن الجار المنهك.
كما أن تورط إيران الواضح في الخراب الذي تشهده بعض الدول العربية والتي تأتي سوريا في مقدمتها ثم اليمن بطبيعة الحال، مع استمرار تدخلها في كل من لبنان والعراق، ومحاولتها الدؤوبة العبث بأمن مملكة البحرين، كل هذا يحدث في عهد الرئيس الإصلاحي أيضا حسن روحاني، لتؤكد جمهورية المرشد أن حالة الإصلاح ليست سوى ذر للرماد في العيون لامتصاص نقمة محتملة في الشارع المنغلق بفعل سيف الرقابة المسلط على كل شيء.
ولذلك فإن إشاعة الديمقراطية الإيرانية، التي لم تمانع بعض وسائل الإعلام الغربية من استخدامها خلال توصيفها للانتخابات الإيرانية الأخيرة، لا تعدو كونها جزءا لا يتجزأ من مسعى غربي، من بعض الدول على أقل تقدير، للفوز بأعطيات إيران الاقتصادية واستثماراتها التي باتت متاحة بعد توقيع الاتفاق النووي، ولعل هذا بالتحديد ما دفع دولة منهكة اقتصادية مثل إيطاليا لطمس معالم عصر النهضة، وفرض الشادور على بعض ملامحها الحضارية حرصا على مشاعر ضيفها “الغني”، وهو ما لم تفعله سابقا.
فما الذي سيفعله الإصلاحيون إذن؟ الإجابة بكل بساطة لا شيء، لأن القرار النهائي مرتبط كما هو معلوم بيد المرشد الأعلى علي خامنئي والذي ترتبط بمكتبه أجهزة المخابرات والحرس الثوري، وجميع مقومات القوة في الدولة، بل إن أي اتفاقية اقتصادية ينبغي أن تمر تحت أنظاره كي يجيزها أو يصدر فتواه بتحريمها، وهو لن يتخلى عن دوره هذا، والذي يستمده من “الولي الفقيه” بشكل مباشر، وهو لذلك لن يسمح لتجمع التيارات الإصلاحية التي تحاول منذ سنوات التملّص من قبضته بالتحرك، وقد يكون ما حدث لرجله المقرب مير حسين موسوي خير دليل على ذلك.
إيران تغير وجهها فقط، تضع قليلا من الماكياج على ملامحها كي تناسب وضعها الاقتصادي الجديد الذي بدأ بالإفراج عن مليارات الدولارات التي ظلت مصادرة لسنوات في البنوك الغربية، لا تريد أن يبدأ الشارع بالتحرك كما حدث في مرات سابقة، ولذلك اتخذت خطوة استباقية وسمحت للإصلاحيين بالصعود إلى السطح، وستكون مهمتهم محصورة في تحسين الأوضاع المعيشية القاسية التي يعاني منها المواطنون الإيرانيون منذ سنوات. إيران تغير وجهها لكن لا تغير وجهتها التي رسمها الخميني منذ استولى على ثورة الإيرانيين.