العرب - تعودنا من الإخوان ومن سار على نهجهم تقسيم المجتمعات واتهام من ليس معهم بكل ما يناقض الإسلام حتى تبعهم صغارهم وأصبحت يرقاتهم تقول بذلك وتقوم به. وتعودنا من إخوان مصر وفلسطين وتونس وغيرهم الارتماء في أحضان خصوم السنة من ولاة الفقيه تحت العشرات من الحجج. وتعودنا كذلك على دعم الصوت الفارسي والحاكم الصفوي وأذرعه أينما كانت. رأينا ذلك في مشاركاتهم المستمرة في احتفالات الصفويين بمناسباتهم وأعيادهم وثوراتهم. ولمسنا ذلك في تأييدهم المعلن لحزب الله في عام 2000 وعام 2006 والذي اختلفوا فيه مع موقف الحكومة السعودية راعية السنة وقائدة هذا المذهب في العالم الإسلامي.
ولاحظنا ذلك في تأييدهم لموقف الحوثيين في اليمن وعدم اشتباكهم معهم أثناء رغبتهم في السيطرة على اليمن وحكمه، بل والمناداة بتأييدهم ودعمهم حتى يصلوا إلى ما يريدون. وأصبح ذلك يقينا لدينا ونحن نرى تأخير تحرير تعز حتى اللحظة بسبب سيطرة الإخوان على الساحة المحلية فيها، وعدم ثقة التحالف في الدخول دون رضا وقبول تلك الساحة، أو دون ضمانات كافية منها وهو ما لن يحدث، ومع ذلك يصر الإخوان على اتهام دولة بعينها بتعطيل ذلك التحرير، وهو اتهام باطل معروفة أسبابه. ولذلك يتوجه التحالف إلى صنعاء وصعدة وغيرهما من المناطق ويؤجل تعز حتى النهاية، تعز التي يفترض أن تكون أولى المدن التي تتحرر في الشمال اليمني لو أراد لها الإخوان ذلك.
عرفنا التقية الشيعية منذ ألف سنة ولم تعد تخدعنا، ولكننا لم نتخيل أن تكون لنا نحن السنة تقية من نوع خاص ومميّز حتى قرأنا تصريحات راشد الغنوشي الزعيم الإخواني التونسي وهو يتحدث عن حزب الله بعد تصنيفه كمنظمة إرهابية، فالغنوشي لا يتفق مع هذا التصنيف وهذا شأنه، إنما لماذا؟ المدهش في الأمر أن الغنوشي يعتقد أن حزب الله في سوريا يقوم بما يشبه الثورة المضادة وأنه، هو شخصيا، لا يتفق كذلك مع أي ثورة مضادة، ولهذا السبب فقط هو لا يتفق مع حزب الله وما يقوم به في سوريا.
هذه هي التقية عينها، هو يريد أن ينتقد السيسي في مصر ويريد أن ينتقد كل من يؤيد السيسي وكل من أيَّد، ضمنا أو صراحة، تصحيح المسار المصري والموصوف بـ”الثورة المضادة”.
السؤال هنا، هل قيام نظام بشار الأسد الفاقد للشرعية الشعبية بقتل أكثر من أربعمئة وخمسين ألفا من السوريين وتهجير الملايين منهم ثورة مضادة؟ هذه لم نسمع بها إلا من الأذرع الإيرانية في سوريا، وذلك لشرعنة الاعتداءات اللاإنسانية التي يقوم بها بشار وحزب الله ومرتزقة باكستان وأفغانستان في سوريا. تلك جرائم حرب لا ثورة مضادة، ثم هل يأتي موقفه السيء من مصر أهم من موقفه من حزب الله لكي يستغل ذلك الحدث بتلك التقية العجيبة؟ قد لا يكون ذلك مستغربا على الإخواني أو قيادته، أيا كانت وأينما حلت.
عملية تأييد حزب الله لم تبدأ اليوم بل أخذت مكانها منذ العام 2006. وهو نفس العام الذي بدأ فيه نشاط الإخوان ضد كل من يقف في وجوههم أو يمكن أن يشكل خطرا عليهم وعلى خططهم. وكان تأييدهم ذاك لحزب الله في مغامرته الغبية مع إسرائيل في ذلك الوقت مخجلا.
وكان ذلك التأييد الذي نشره الإخوان في مصر ودول الخليج مما يثير الدهشة والاستغراب، إذ أنه كان يعارض السياسة العامة لتلك الدول التي أعلنت عن موقفها صراحة ووصفت ذلك العمل بالمغامرة غير المحسوبة. الأغرب هو اعتبار تلك الهزيمة الساحقة للحزب نصرا يجب الاحتفال به، بل ويكررون ذلك باستمرار على الرغم من اعتراف أمين عام الحزب بأنه لو كان يعلم بما سيحدث نتيجة عملية اختطافه للجنديين الإسرائيليين لما فعل ما فعله.
ومع ذلك الاعتراف بالهزيمة تقوم الاحتفالات ويقوم الإخوان بتمجيد الحزب وذكر حربه مع إسرائيل وكأنها حرب انتصر فيها وحرر شيئا من الأرض المغتصبة في الجنوب اللبناني. هذا ما ذكره الغنوشي وهو يحدد علاقته بذلك الحزب، فهو يرى أن حربه تلك مما يحسب له لا عليه، بينما العقل يقول إنها تحسب عليه لا له، لأنها حرب ضعيف ضد قوي، وحرب دمرت جنوب لبنان بالكامل، ولأنها وباختصار حرب تنظيم خارجي ضد دولة، مما يعني ببساطة هزيمة مؤكدة.
لم يكتف الغنوشي بذلك بل أعاد انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني عام 2000 إلى أنه كان بسبب ذلك الحزب، متغافلا عن حقيقة أن الانسحاب لم يكن إلا نتيجة لرغبة إسرائيل في إنشاء شريط أمني في الجنوب وتم لها ذلك، وهو قائم حتى الساعة ولم ولن يستطيع ذلك الحزب خرقه، هذا إن أراد ذلك، ولن يفعل ذلك لأنه الحامي له كما فعل بشار ووالده حافظ في الجولان السورية.
الحقائق تقول هذا فما الداعي لممارسة الزعيم الإخواني لتلك الأكاذيب؟ وإلى متى يستمر الإخوان في تعمية الشعوب عن تلك الحقائق؟ وهل قيام أولئك القادة بذلك يبرر لصغار الإخوان أو من يتّبعهم أو يسير على نهجهم، أن يقارن بين ذلك التنظيم الإيراني الهوى العربي الجنس والمسمّى حزب الله بالنظام المصري القائم في مصر برغبة الملايين من أفراد الشعب كتصحيح لمسار الثورة؟ هذا هو العبث الإخواني الذي لا طائل من ورائه سوى المزيد من التفكك والتشرذم المجتمعي.