العرب - منذ أسابيع، بدأ الإعلام الإيراني يصعّد من نبرة صوته في توجيه إساءات إلى الدول العربية عموماً، ودول الخليج العربي خصوصاً، بعد أن وجد “نظام الولي الفقيه” نفسه في مأزق، لا سيما بعد التقدم الحاصل في اليمن الشقيق من قبل قوات التحالف العربي لدعم الحكومة الشرعية هناك، وإعلان مجلس التعاون لدول الخليج العربية “حزب الله”، الذي يعتبر أحد أهم أيدي إيران الملطخة بالدماء في العمق العربي، “تنظيما إرهابيا”.
موجة محمومة يشنّها الإعلام الإيراني في الوقت الذي يفتقر فيه إلى ما يقوله، ولأنه لا يستطيع مطلقاً تبرير تدخله في شؤون الدول العربية ابتداء من لبنان الذي قسّمه ليس إلى شطرين فحسب، بل جزّأه إلى أقسام صغيرة، انتقالاً إلى سوريا التي تساند فيها إيران نظام بشار الأسد بقوات من الحرس الثوري الإيراني، وهو ما أدى إلى مقتل أكثر من 300 ألف شخص منذ اندلاع الأحداث السورية عام 2011، وأخيراً وليس آخراً، ما يقوم به نظام الولي الفقيه في العراق بواسطة قوات الحشد الشعبي، التي تعمل على تغيير الخارطة الديموغرافية لصالح إيران بإفراغ المناطق المُسلمة السُنية من سكانها الأصليين، وتوطين الشيعة الإيرانيين هناك.
والناظر في الشأن الإيراني، كان يلحظ سابقاً، تصريحات “استفزازية” ممزوجة بالحقد والحنق، لكنها اليوم تحوّلت إلى إساءات علنية ممزوجة بالابتذال ورداءة الأخلاق، بما يخالف كل المواثيق والعهود الدولية والأعراف الدبلوماسية والأخلاق المهنية أيضاً، ويشي بأن النظام الإيراني يعيش حالة من التخبط، والانهيار القيمي والأخلاقي في سياساته، كما يسعى إلى الدفاع عن نفسه باستخدام وسائله الإعلامية لألفاظ “خارجة” لا ترقى أن تصدر عن إعلام دولة، تزعم أنها تحترم نفسها، في حين تتواطأ السلطات الإيرانية بشكل واضح مع وسائلها الإعلامية بإسفاف بيِّن وتراجع مهني وأخلاقي منقطع النظير.
ومن هنا، كان لزاماً على النظام الإيراني، بدلا من أن يتجه إلى محاولات تصدير ثورته الوهمية في البلاد العربية، والتدخل في شؤونها، والإسفاف في إعلامه، إلى تغيير استراتيجيته التي لم تجلب له سوى النظرة السلبية في محيطه الإقليمي، بسبب ما جرّه على الدول العربية من ويلات وحروب ودمار بواسطة التنظيمات الإرهابية التي يدعمها ابتداء من حزب الله الإرهابي، وليس انتهاء بتنظيم داعش الدموي، الملتزم بتنفيذ الأجندة الإيرانية بحذافيرها، على الرغم من الحرب الكلامية بينهما، والهادفة إلى تضليل الإعلام.
فقد دأبت إيران، منذ زمن العزف على وتر العدوّ “المتربّص” من أجل إرهاب الشارع الإيراني، الذي بدد نظام الولي الفقيه أمواله في تسليح ميليشياته في العديد من الدول العربية، وها هو اليوم عندما وجد نفسه غير قادر على مواجهة الشعوب الإيرانية بالحقائق الحاصلة على الأرض اتجه إلى الإعلام المفلس من أجل تصدير الشتائم، الأمر الذي بات الشباب الإيراني يلحظونه وينتقدونه علنا، من خلال شعاراتهم التي طرحوها في الشارع مؤخراً، وأبرزها “لا غزة ولا لبنان.. روحي فداء إيران”، ما يغض نظام الولي الفقيه الطرف عنه للسير في سياساته إزاء العرب والتدخل في شؤونهم.
في المقابل، نأت دول الخليج العربي، عن سياسة الإساءة عبر وسائلها الإعلامية، إلى إيران ونظامها، ليس لأنها عاجزة عن الرد، وإنما لأن ذلك لا يليق بمكانتها كدول، والتزاماتها بالعهود والمواثيق الدولية والأعراف الدبلوماسية والأخلاقية، ولأنها لا تكرر إسطوانات مشروخة وقديمة، مثل تلك التي تستعملها وسائل الإعلام الإيرانية، التي لم ترتق في مفرداتها، حتى إلى مستوى الصحافة الصفراء.
الإعلام الإيراني يغطّ في سبات عميق، ولا يستيقظ إلا عند توجيه الشتائم والإساءات، ما يستدعي استراتيجية إعلامية للرد على هذه الإساءات بمهنية وأخلاقية عالية كالتي عرف بها الإعلام الخليجي، الذي لم يعتد اتخاذ أسلوب الردح، وسيلة من أجل تحقيق أهدافه، كإعلام إيران “المُبتذل”، وصحافته التي تعمل في عدة محاور؛ أولها توجيه السباب والشتائم، واستخدام الإعلام كأداة ترهيب لشعوبها، فضلاً عن الترويج لأهدافها وأذرعها، ونشر معلومات كاذبة عن دول الخليج العربي واعتمادها على الاقتصاد الإيراني، العاجز أصلاً، واللعب على وتر الإحباطات العربية ممثلة بالقضية الفلسطينية لكسب تأييد الشارع العربي.
وبالتالي، يتضح أن الإعلام الإيراني، بدعم نظام الولي الفقيه، لا يملك سوى التخبط، دون استراتيجية محددة، مستخدماً الابتذال بصورة تُعرّي الصورة الحقيقية للنظام الإيراني، وهي التي بات يعيها العالم العربي، ويعرف تماما أن “فلسطين القضية” ومحاربة إسرائيل “كلاميا” ليست سوى تصريحات تهدف منها إيران إلى استقطاب الشارع والتعاطف معها ومع وسائلها الإعلامية التي تنفّذ من خلالها أجنداتها في العالم العربي، بعدما مدّت أذرعها في لبنان وسوريا والعراق وأخيراً اليمن الشقيق، من أجل خلق “هلال إيراني” من أجل الدخول إلى “العمق العربي” وفرض الأجندة الإيرانية.
ويأتي ذلك كله، في الوقت الذي تواجه فيه إيران حراكاً شعبياً ينتقد السياسات الحالية والمشكلات التي عجز النظام وحكوماته عن حلها، لا سيما حسن روحاني، الذي وعد عند تسلمه زمام الرئاسة الإيرانية، بحلّ مشكلة البطالة، التي تتزايد يوما بعد يوم، فيما يغرق المجتمع في آفات اجتماعية وأخلاقية يقف أمامها النظام الإيراني عاجزاً، أبرزها انتشار آفة المخدرات، والاعتداءات الجنسية والجرائم.. الخ، أما نظام الولي الفقيه فهو مشغول بدعم الجماعات الإرهابية هنا وهناك وتوجيه وسائل الإعلام الإيرانية من أجل مهاجمة دول الخليج العربي وتلفيق اتهامات لا أساس لها من باب الإسقاط والتضليل.