الحياة - قد يأتي إنسان بسيط اليوم، ويخرج ليهتف لحزب الله من خارج دائرته، فتلتمس له العذر، على افتراض أنه مغيّب أو مضلل، وقد يخرج آخر ليهتف لأمينه العام حسن نصر الله، وأيضاً ستتغاضى عن هتافه على افتراض أنه ذو مصلحة أو مستدرج، المحصلة أنك ستجد له عذراً أو مخرجاً على افتراض أنه لا يؤيّد الحزب اليوم إلا واحداً من اثنين، إما طائفي أو مخدوع، لكن عندما يأتي أحدهم وتتوسم فيه سعة الاطلاع والعلم والفكر والمعرفة، ويعتلي أحد «أهرامات» الإعلام المصري، وتسمع ما يردّده من شعارات مضللة عن الحزب وينشرها ويسوّق لها، بحجة الحرص على الأمة العربية وإرثها، هنا فقط يستحسن أن تقف قليلاً وتتأمل المشهد.
رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام أحمد النجار يعتبر حزب الله قوة مقاومة جبارة في مواجهة الكيان الصهيوني، ويرى أنه لا ينبغي أن نخسر الحزب بسبب أي خلافات عربية - عربية من الممكن معالجتها، تلك جزئية مما كتبه النجار على صفحته بموقع فيسبوك.
حسناً سنفترض هنا حسن النية، وأيضاً سنتناسى علاقة النجار بطهران التي تتبنى الحزب، وسنغض النظر عن زياراته لها بحسب المعلن، فذلك شأنه، لكن في ظل حماسته يقول: «حزب الله وقف مع سورية سداً منيعاً أمام قطعان الإرهابيين الطائفيين الذين جمعتهم وموّلتهم قوى الشر الدولية والإقليمية لتمزيق الدولة القومية السورية لاعتبارات الثأر ولمصلحة الكيان الصهيوني».. انتهى.
في هذه الجزئية ندخل في نفق التضليل والتدليس، فالمفردات المستخدمة هي ذاتها التي ابتكرها الحزب، وحرص على ترديدها، أما بالنسبة للدولة القومية المزعومة، فلن نتحدث عن الجرائم التي ارتكبتها وما زالت ضد شعبها وإرثها وتاريخها وأخيراً أمتها، وتلك باتت واضحة للجميع، وأيضاً لن نتحدث عن «قوة المقاومة الجبارة» التي يزعمها، ولا عن مواقفها، ولا عن طائفيتها، ولا عن خيانتها لبلدها، ولا عن تبعيتها لمشروع يهدف لتمزيق الأمة العربية التي يدعي النجار أنه يحرص عليها، ما سنتحدث عنه هو قوى الشر الإقليمية التي موّلت قطعان الإرهابيين الطائفيين بحسب قوله.
شخصياً لا أستغرب أن يكن النجار ومحسوبون على الإعلام المصري كل هذا العداء للسعودية والخليج، إذ سبق أن صرح بذلك غير مرة، بخلاف المشادة التي حدثت بعد عودته من طهران في منزل السفير الجزائري في القاهرة مع السفير السعودي، لذلك لا ينبغي أيضاً للقراء أن يستغربوا منه ذلك، لكن وجه الغرابة أن هذا النجار من المحسوبين على النظام، إذ بات لافتاً اليوم أن خطاب بعض إعلاميي مصر، لاسيما التابعين للمؤسسات الرسمية وذهابهم في اتجاهات تتناقض مع مبادئ شعاراتهم التي نموا عليها، يدلل على أن الصورة المشوشة للسياسة المصرية وتناقضاتها تتجاوز الداخل المصري. وينكشف ذلك في شكل أكثر فجاجة من خلال ديبلوماسيتها العاجزة عن صيانة علاقاتها بالدول الإقليمية، والسؤال الذي أطرحه وطرحه إعلاميون مصريون قبلي، لماذا السكوت عن هذا النجار ومن على شاكلته من جانب النظام؟ ولماذا يستطيع إسكات من ينتقد الشأن الداخلي ويحاصره، بينما يقف متفرجاً بل وكأنه يبارك لمن يسعى للتسلق على جدران العلاقة التي تربط مصر بالدول الأخرى، لاسيما تلك الفاعلة والمؤثرة في دعم استقرارها، وفي مقدمها السعودية.
التناقض المصري - المصري تجسد في مواقف متعددة لا يخرج عنها اليمن، وما صاحب «عاصفة الحزم» من ردود فعل متباينة، وأيضاً سورية بفلسفة إنقاذ شعبها، من خلال تثبيت النظام الحاكم، وهو ما أعلن عنه صراحة وزير الخارجية المصري ومن ثم نائبه في غير مناسبة «أننا ضد التدخل العسكري في سورية»، بحجة أن «الحل العسكري في سورية أثبت عدم جدواه خلال الأعوام الماضية، وأن الحلول السلمية هي المثلى».
طبعاً تلك المواقف جاءت على خلفية دعوة السعودية لتدخل بري دولي في مواقع سورية محددة للقضاء على داعش، لكن دعونا نتفق مع وزير الخارجية المصري ونائبه، ونذهب لآخر النفق ونتساءل: هل الحلول السلمية تأتي بتزويد النظام السوري بسلاح مصري لا يقتل إلا الشعب السوري مثلما تم الكشف عنه؟
من الواضح أن هناك خللاً ما يقف حائلاً أمام استيعاب البعض للسياسة السعودية، الأمر الذي يدفعهم للذهاب إلى الضفة الأخرى، وقد نفسر بعض المواقف بأنها تتخذ من منطلق قومي، لكن الاصطفاف مع حزب الله وبشار وإيران يقول عكس ذلك، وربما أن البعض يتبنون مواقف ضد السعودية بناء على إرث تاريخي، وهذا أيضاً وارد، أو ربما، أقول ربما، نحن مقصرون في إيصال الصورة لمؤسسات وفعاليات سياسية وإعلامية.
جميعنا يدرك أن دول العالم العربي اليوم إما أنها ضحية ما يسمى بالربيع العربي، وإما أنها مشغولة بقضاياها الداخلية، ومصر طبعاً لا تخرج عن هذه الدائرة، في المقابل هناك دول الخليج العربي التي تسير في حقل ألغام، وهي تحمل على كاهلها قضايا الأمة العربية، فالسعودية باعتبارها الشقيقة الكبرى، وضمن المنظومة الأكثر استقراراً، وعلى رغم اشتعال محيطها، لكنها مهيأة اليوم من جميع الجوانب لمواصلة دورها الريادي في العالمين العربي والإسلامي لضمان أمنهما، واستعادة ما خطف منهما لمشاريع طائفية أو مذهبية، فما يميز السياسة السعودية أنها لا تنطلق ترويجاً لمذهب معين، ولا لغرض وصاية، ولا تنفيذاً لأجندة معينة، وتلك قواعد يصعب أن تجدها لدى دول أخرى.
ولكن ليكتمل العمل السعودي الريادي ويشعر به المواطن العربي بشكل مباشر أرى أنه لا بد أن توجّه المملكة خطاباً للشارع العربي، لا أن يقتصر فقط على الأنظمة العربية، يوضح سياساتها وقراراتها ورؤيتها الجديدة للعالمين العربي والإسلامي.