العرب - قد تفاجئ الولايات المتحدة نفسها باختيار دونالد ترامب رئيسا. لكنها إن أرادت أن تشفق على نفسها فما عليها سوى أن تختار هيلاري كلينتون. صحيح أن الرئيس الديمقراطي باراك أوباما استطاع، بحنكة، أن يمحو شيئا من العار الذي ألحقه الجمهوري جورج بوش الابن بالولايات المتحدة، غير أن طيش ترامب ربما سيفجر كل الذكريات المخزية. هيلاري هي ابنة المطبخ الديمقراطي الذي لم يقدم غذاء مسموما للعالم. العالم يحتاج إلى هيلاري أكثر من حاجة الولايات المتحدة إليها. فبعد أن أمسك أوباما بالثور الأميركي الهائج من قرنيه وروضه لثماني سنوات ومنع شروره حين غلّفه بورق هدايا ابتسامته التي تكشف عن شعور بالمرارة، لم يعد مقبولا أن يستعيد ذلك الثور هيجان جنونه.
بالنسبة للعالم فإن الولايات المتحدة قد تغيرت، ولذلك فإن العالم نفسه قد تغير. لم تعد الزعامة أحادية، بل سمح وضع الولايات المتحدة الجديد لقوى أخرى في أن تستعيد مكانتها ويكون لها رأي مؤثر وملزم ومحترم. على العكس مما يُقال فإن الولايات المتحدة لم تضعف في حقبة أوباما، بل صارت أكثر حكمة وهو ما يليق بقوة كبرى وهي تتعامل مع قضايا إنسانية ملتبسة وشائكة. ربما شعر بعض العرب أن أوباما لم يعر قضاياهم الاهتمام الكافي. ربما شعروا أنه خذلهم حين تحمّس لحسم مسألة النووي الإيراني سلميا. غير أن ذلك البعض سرعان ما تفهم الأسباب التي حدت بسيد البيت الأبيض للتعامل معهم بأعصاب باردة.
العالم بالنسبة للرئيس القادم من أصول أفريقية ليس غابة. لذلك لم يلجأ إلى استعمال لغة القوة في الحديث عن أكثر الموضوعات إثارة للانفعال. ما تغير في الولايات المتحدة لا يمكن التراجع عنه بضربة حظ قد يقوم بها ناخب أميركي على سبيل الخطأ. ترامب هو الخطأ بكل المقاييس.
وهو لا يصلح لمنافسة هيلاري على منصب الرئاسة الأميركية، إلا إذا كان الشعب الاميركي مستعدا للتخلي عما اكتسبه من تهذيب أخلاقي أثناء حقبة أوباما ليصطلي بنار “بُوشَوية” جديدة، قد تخترع حروبا من نوع مختلف عن تلك الحروب التي اخترعها جورج بوش الأب والابن معا.
ليس من المؤكد أن كلينتون ستكمل خط أوباما وليس مطلوبا منها القيام بذلك. غير أن ما هو مؤكد أنها ستخلص لنزعة السلام التي خبرتها سيدة أولى في البيت الأبيض ووزيرة خارجية. وهما موقعان لم تحظ بهما معا سيدة أميركية سواها.
قد تكون المرأة الحريرية التي هي هيلاري كلينتون أشد صرامة من المرأة الحديدية التي هي مارغريت تاتشر. غير أنها الصرامة التي ستهب الولايات المتحدة، والعالم الذي يدور في فلكها، نوعا من المراس العقلاني.
هيلاري هي ابنة تجربة الحكم في السنوات العصيبة. كانت سيدة البيت الأبيض في السنوات التي أعقبت حرب الخليج الأولى، ومن ثم أصبحت وزيرة للخارجية في السنوات التي أعقبت احتلال العراق وأفغانستان.
في الحقبتيْن كانت القيم الأميركية في أكثر أحوالها ترديا وكان على هيلاري أن تقاوم الانهيار الأخلاقي الذي نتج عن حروب مدمرة ألحقت الهلاك بالشعوب. لقد عاصرت هيلاري رجلين أخلاقيين في السياسة هما زوجها بيل كلينتون ورئيسها باراك أوباما. وهو ما يجعلني مطمئنا إلى أنها تعلمت الدرس جيدا. ستكون هيلاري أول امرأة تحكم الولايات المتحدة. وهي مأثرة سيفكر فيها الأميركيون طويلا قبل أن يصوتوا لترامب.
فعلها الأميركيون حين صوتوا مرتين لأول رئيس أميركي من أصول أفريقية، وكانوا في ذلك قد تفوقوا على أنفسهم ومحوا عار تاريخ من العنصرية، فلمَ لا يفعلونها ثانية ليقدموا درسا في الانتصار على التمييز ضد النساء؟