2016-03-28 

أزمة مصر مع 'كتائب القسام'

محمد أبو الفضل

العرب - الجزء الظاهر في العلاقة بين مصر وحركة حماس الفلسطينية يشي بالتفاؤل، فقد راجت في الأيام الماضية بورصة التوقعات والتكهنات، بشأن استجابة الجناح السياسي في الحركة لجانب كبير من المطالب المصرية، عقب زيارة وفدها للقاهرة مؤخرا، والاستعداد لزيارة ثانية الأسبوع الجاريالزيارة الأولى التي جرت خلفت وراءها نتائج إيجابية، حول التوصل لحزمة من التفاهمات العصية، بدأت بصماتها تظهر في الخطاب السياسي لقيادات بالحركة، وتردد أن جهاز المخابرات المصري لا يريد الانجرار وراء الاتهامات التي وجهتها وزارة الداخلية في مصر لحماس بخصوص عملية اغتيال النائب العام السابق، وهو ما ترك انطباعا بالتناقض في دولاب الدولة المصرية لدى البعض.

 

لكن هناك من فهم الجولة الأولى من الحوار على أن القاهرة لديها هواجس كبيرة من زيادة الانحراف في الجسم العسكري للحركة، المعروف بكتائب عزالدين القسام، الأمر الذي يتطلب قدرا كبيرا من الوضوح في الحوار، وغض الطرف عن الاتهامات الحالية، أو بمعنى أدق ترك النظر فيها للقضاء، وهو مخول للبت فيها وفقا للقوانين، ويسير جهاز المخابرات في طريقه لكسر شوكة الجناح المتشدد في كتائب القسام، الذي تدرك مصر أن له باعا طويلا في ما تم من عمليات إرهابية بسيناء.

 

في الجولة الثانية، التي من المفترض أن يكون الجناح السياسي لحماس بدأها، أمس الأحد، تستكمل تفاصيل الحوار الأول، الذي لعب دورا في كسر الجمود السابق، ويتم التركيز ظاهريا على جانب المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، والتشديد على محورية الدور المصري فيهالكن في الجوهر يبدو أن الجولة معدة لتلقي إجابات شافية من وفد الحركة بخصوص تسليم بعض الأسماء المتورطة في عمليات إرهابية بسيناء، ومقيمة في غزة، وتحظى برعاية كتائب القسام، لذلك فالنتائج المتوقع أن تتمخض عنها هذه الجولة، ربما تكون أهم من سابقتها، لا سيما في شأن تحديد أفق العلاقة بين مصر وحماسالحبل الذي تسير عليه القاهرة، في التفرقة بين الجناح السياسي والعسكري في الحركة، مرجح أن ينقطع، ما لم تستطع القيادة السياسية لحماس إعادة الاعتبار لدورها، الذي بدأ يتلاشى أمام تضخم نفوذ الجناح المسلح، حيث أصبح المهيمن عمليا على مقادير الحركة، فهو الذي يخطط ويرتب ويأمر ويتخذ القرارات فعليا، حتى لو بدا خالد مشعل رئيس المكتب السياسي وإخوانه من يتصدرون المشهد الإعلامي.

 

ثمة مجموعة كبيرة من الأحداث والتطورات، كشفت عن عدم وجود سيطرة حقيقية لهؤلاء على كتائب القسام، والعكس هو الصحيح، والرسالة التي حواها حادث مصرع 18 شرطيا مصريا في شمال سيناء مؤخرا، تؤكد هذا المعنى، حيث تزامن مع زيارة وفد حماس الأول، وذهبت أصابع الاتهام، على الفور، إلى تلقي من قاموا بالعملية مساعدات لوجستية من غزة، وفرار نفر ممن ارتكبوها إلى القطاع.

 

مضمون الرسالة التي حملتها، تقول إن الجناح العسكري لحماس غير معني بحوارات القاهرة، ومن لا يملك لن يستطيع أن يعطي أوامر لمن يستحق، والأدهى أن العملية أكدت أن يدي الجناح العسكري لا تزال طائلة في سيناء، ولن يوقف عملياته، أو يتخلى عن عقيدته الإخوانية المتشددة مع النظام المصري، وسوف يواصل مواجهة سياسات التمشيط التي تقوم بها قوات الأمنهذه هي المعضلة التي تواجه النظام المصري، والتي من الصعوبة أن يتعامل معها بطريقة أمنية فقط، لذلك يلجأ إلى الأدوات السياسية، لتجنب اللجوء إلى خيار الصدام المكشوف، الذي يمكن أن تكون تكلفته عالية.

 

ففي ظل تفشي العناصر المتطرفة في حركة حماس، واتساع نطاق الولاء والانتقام للإخوان، والرغبة في تكبيد النظام المصري خسائر فادحة، غير مستبعد أن يرتكب الجناح العسكري المزيد من الحماقات المسلحة لإحراج مصر. ومع أن القيادات السياسية للحركة نفت الاتجاه للتصعيد مع إسرائيل خلال الفترة المقبلة، لكن هذا الكلام بالنسبة للعارفين بآليات صناعة القرار، لن يكون محل اعتبار لدى الجناح العسكري، الذي له تقديرات لا تتماشى مع الخطاب المعلن لحماس، فقد يتم اللجوء إليه لإحداث إرباك في قواعد اللعبة المصريةهذا السيناريو أشد ما تخشاه القاهرة، وربما يكون أحد العوامل التي دفعتها لعدم البطء في الحوار مع حماس واستقبال وفديها، في وقت كانت الأمور متأزمة، وتتجاوز ما بدا أنه ارتباك في الموقف المصري، وتناقض في حسابات مؤسساته، فقد كان الغرض الرئيسي من الحوارات عدم قطع الخيوط مع الجناح العسكري للحركة، التي تمزقت منذ تبنت مصر سياسة هدم الأنفاق بين رفح الفلسطينية ونظيرتها المصرية وإغراق المنطقة الفاصلة بالمياه.

 

أصبح فتح طاقة أمل أمام الجناح العسكري عبر الحوار مع الذراع السياسية، من المفاتيح المهمة للجم أو ردع كتائب عزالدين القسام، التي يمكن أن تقدم على عمليات مسلحة منظمة ضد إسرائيل، باعتبار أنها قد تخرجها من المأزق الإقليمي الضيق الذي أضحت محشورة فيهوهو ما يضع مصر بين فكيْ رحى، قبول نشوب حرب جديدة، تضطرها لمزيد من المرونة مع حماس، والتسليم بفتح معبر رفح على مصراعيه، بذريعة إنسانية، وتحمل ما يترتب على ذلك من تداعيات، أو الثبات على موقفها المتشدد والمتمسك بإغلاقه، والذي يعرضها لاتهامات تضعها وإسرائيل في كفة واحدة.

 

لعل هذه المعادلة لم تكن خافية على حوارات حماس في القاهرة، لذلك لم تتجاوب الأولى مع مطلب تسليم بعض القيادات، ليس فقط لأنها لا تملك سلطة في هذه المسألة، بل لأن الجناح العسكري يعي حجم القلق المصري من سيناريو التصعيد ضد إسرائيل في الوقت الراهن، وما يترتب عنه من روافد أمنيةأضف إلى ذلك أن القاهرة تتعامل مع القضية الفلسطينية على أنها تمس الأمن القومي المصري، والعربي عموما، وتترفع منذ فترة عن التجاوب مع مناورات حماس، الأمر الذي يفرض عليها التخلي عما هو تكتيكي لصالح ما هو استراتيجي.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه