الحياة - الجدل الذي ظهر في الإعلام خلال الأيام الماضية بين الرئيس الإيراني حسن روحاني وقادة «الحرس الثوري» حول الطريقة الأفضل التي يفترض أن تقدّم بها إيران نفسها الى العالم وتتعاطى معه، يؤكد مرة أخرى مدى القلق لدى من يعتبرون أنفسهم مؤتمنين على تراث الثورة الإسلامية وإرثها من أي انفتاح يمكن أن تؤدي إليه خطوات روحاني، ومدى الخوف من «تسلل» الولايات المتحدة الى إيران، وفق التعبير الذي استخدمه قائد «الحرس» محمد علي جعفري لوصف ما يتوقعه من نتائج لسياسة روحاني والتيار الموصوف بـ «الليبرالي» في إيران.
وهكذا، فعلى رغم مضي 37 عاماً على الثورة، لا تزال إيران تبحث عن النهج الأنسب لتعاطيها مع العالم. كأنها لا تزال في مرحلة البدايات. ولا يمكن تفسير القلق حيال سياسة الانفتاح سوى بأنه يعود الى عدم ثقة قادة التيار المحافظ بقدرتهم على حماية بلدهم وشعبهم، ممّا يصفونها بمحاولات لتخريب ما يعتبرون أنهم حققوه من مكتسبات بعد الثورة.
يذكّر حجم القلق هذا بالرعب الذي كان يسيطر على عقول وتصرفات قادة دول المعسكر الاشتراكي في زمن الكتلة الشرقية برعاية الاتحاد السوفياتي حيال التعاطي مع العالم الغربي. لهذا الغرض، كان الجواسيس يرافقون كبار المسؤولين والديبلوماسيين خلال زياراتهم الى العواصم الغربية لحمايتهم من «أخطار» الانزلاق الى ما يشكل خطراً على العقيدة الشيوعية أو على مصالح المعسكر الاشتراكي آنذاك. وبالطبع، فإن سياسة الانغلاق تلك مع ما رافقها من جاسوسية وإعدامات بحق المخالفين لم تمنع انهيار الاتحاد السوفياتي وتوابعه، لأن من الصعب على أي نظام أن يغلق رياح التغيير عن شعبه الى الأبد.
في إيران يحصل شيء غير بعيد عن هذا. فالأيديولوجيا الجامدة التي تتحكم برؤية المرشد الإيراني وقادة «الحرس الثوري» من ورائه تخالفها الآن رؤية اكثر رغبة في التعاطي مع العالم وفي الانفتاح عليه. وربما كان كثيراً أن يوصف حسن روحاني بغورباتشوف إيران، بسبب القيود المفروضة عليه، وبسبب تحكم المرشد علي خامنئي بالمسار الأخير للقرارات، لكن حديث روحاني المتكرر عن حاجة القادة الإيرانيين الى الثقة بأنفسهم وضرورة التحدث الى العالم، وعن أهمية اتباع سياسة الاعتدال التي يمكن أن تحقق أهداف إيران بطريقة أسرع من سياسة التهديد والإكراه، كل هذا يوحي بأن عقل الرجل في مكان آخر بعيد تماماً عما ينظّر له قادة التيار المتشدد في إيران.
تفاعل الصراع بين النهجين، منذ توصلت الحكومة الإيرانية ممثلة بروحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف الى الاتفاق النووي مع الغرب. في البداية، شعر خامنئي والمناوئون للمفاوضات من جماعة «الحرس الثوري» أنه يمكن توظيف المهارات الديبلوماسية لروحاني وظريف لإنقاذ النظام الذي باتوا يخشون عليه من أن يتهاوى تحت ضغط العقوبات. ولكن الباب الذي فتحه الاتفاق أمام المؤسسات والشركات الغربية للاستثمار في إيران أخذ يثير قلق الجهات المحافظة داخل النظام، وهي جهات كانت تعتبر على مدى العقود الأربعة الماضية أن إغلاق النوافذ وبناء الجدران قد يحولان دون أي «تغلغل» خارجي غير مستحب الى الأفكار وطرق العيش وكل مجالات الحياة التي تريدها الثورة الإيرانية لشعبها. وبينما أراد روحاني أن يوظف الاتفاق النووي كنموذج للعلاقات الطبيعية التي يمكن أن تقوم بين إيران وسائر الدول، رد عليه قائد «الحرس الثوري» بالقول أن من يرون الاتفاق النووي نموذجاً يعانون من قصر نظر وإذلال للذات. ثم وجه تهديداً واضحاً الى روحاني بالقول: الأفكار السياسية المنافية للثورة الإسلامية لن تدوم، حتى لو هيمنت في مرحلة معينة على الحكومة...
هذا الصراع أصبح معروفاً في إيران بالصراع بين «عهد التفاوض»، ممثلاً باتجاه روحاني، و «عهد الصواريخ» الذي يعبر عنه خطاب «الحرس الثوري». والمدهش هنا هو الانحياز الكامل في موقف خامنئي الى «الحرس» والانتقاد غير المبطن لسياسات الرئيس. يقول خامنئي: من يتحدث عن المستقبل باعتباره عهد التفاوض لا الصواريخ هو إما جاهل أو خائن... عصرنا هو كل شيء، الصواريخ والمفاوضات ايضاً، وإلا ضاعت حقوق الشعب بسهولة. صراع مرشح للتفاعل، ما يعني أن القلق من سياسات إيران سيمتد الى سنوات مقبلة، بانتظار أن تهيمن سياسات التعقل على نهج المتطرفين الذين يتحكمون اليوم بالقرار الإيراني