تشابه كثيرًا تصريحات مسؤولي كوريا الشمالية والمسؤولين الإيرانيين، خصوصًا المواقف التي تتعلق بالحفاظ على برامج البلدين النووية والصاروخية العابرة للقارات. إيران تؤكد استمرارها في برنامجها النووي السلمي، الذي لم تمسه الاتفاقية كما تزعم، وتحمي برنامجها الصاروخي بإبقائه بعيدًا عن إطار اتفاقيتها مع الغرب، وبالذات مع الولايات المتحدة، ويتحدى رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون الغرب وبالذات الولايات المتحدة بأنه يمضي قدمًا في المزيد من عمليات إطلاق الأقمار الصناعية على الرغم من التهديد بفرض عقوبات. فهو أثناء زيارة لمركز قيادة أقمار صناعية تم بناؤه حديثًا في شهر مايو (أيار) الماضي قال: «لا يمكن أن نتخلى عن التطوير الفضائي بغض النظر عمن يعارض ذلك». وتشير صور الأقمار الصناعية الأخيرة إلى التطور الجديد في الموقع الرئيسي لإطلاق الأقمار الصناعية في كوريا الشمالية مما أثار تكهنات عن إطلاق صاروخ بعيد المدى ليتزامن مع الذكرى السبعين لتأسيس حزب العمال الحاكم في 10 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وكان سفير كوريا الشمالية جانغ إيل هون إلى الأمم المتحدة قال إنه لا يستبعد «احتمال» اختبار التجربة كجزء من «الاحتفالات الكبيرة المقبلة». أما بالنسبة إلى إيران فإنها تقترب من امتلاك الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والقادرة على الوصول إلى أهداف في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية وأستراليا، وهذا حسب معلومات سربها مسؤول كوري شمالي سابق انشق مؤخرًا. ويستند برنامج إيران للصواريخ الباليستية العابرة للقارات والتي يجري تطويرها على محركات ذات دفع عال حصلت عليها من كوريا الشمالية وتستخدمها لتعميق المعرفة التقنية لديها ولتعزيز أهدافها في المجال الصاروخي. بالطبع يشكل هذا البرنامج اختراقًا واضحًا للعقوبات الأميركية التي تحظر مثل هذا النشاط من قبل طهران وبيونغ يانغ، على الرغم من الاتفاق النووي الذي وقعت عليه إيران والقوى الغربية في يوليو (تموز) الماضي. وكان الخبراء المعينون من قبل الأمم المتحدة المخصصون لرصد الامتثال للعقوبات وثّقوا وجود علاقات عسكرية بين إيران وكوريا الشمالية، وعلى الرغم من ذلك، وكما لوحظ في شهادة لاري نيكش في 28 يوليو الماضي أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، فإن العلاقات الاستراتيجية بين إيران وكوريا الشمالية جذبت الحد الأدنى من اهتمام الرأي العام العالمي على مدى العقد الماضي، على الرغم من التقدم الهائل في الأسلحة النووية وبرامج الصواريخ بين البلدين خلال تلك الفترة. تبذل طهران وبيونغ يانغ قصارى جهدهما لتخبئة نشاطهما المشترك ضمن سرية تامة، ولهذا يصعب إجراء تقييم دقيق لطبيعة التعاون بينهما. مع وضع كل هذا في عين الاعتبار، لوحظت سلسلة من التطورات المقلقة في الآونة الأخيرة، تجعل كل من يتصور أن الاتفاق النووي سيؤدي إلى مراجعة أساسية للسياسة العسكرية الاستراتيجية الإيرانية، يقف ويتأمل. أولاً: التقى الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الشرفي لكوريا الشمالية كيم يونغ نام، على هامش القمة الأفريقية – الآسيوية في جاكرتا، ورغم أن اللقاء ظاهريًا ذات طابع سياسي فإن مثل هذه الاجتماعات نادرة. ومجرد اجتماع الاثنين في مثل هذا الوقت، يشير إلى التعاون في القضايا الحساسة ذات الأهمية الاستراتيجية بين النظامين. ثانيًا: في الفترة الأخيرة، كشف المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية (مجاهدي خلق) عن عناصر جديدة من التعاون العسكري ما بين الكوريين الشماليين والإيرانيين. وكشفت هذه المجموعة المعارضة عن زيارات قامت بها مجموعة من الوفود السرية من خبراء في الأسلحة النووية وصناعة الصواريخ، من بيونغ يانغ إلى مواقع عسكرية إيرانية. جرت هذه الزيارات بالتوازي مع المفاوضات النووية التي كانت تجري، ولا يمكن التشكيك في تسريبات تقارير «مجاهدي خلق» حول هذه المسألة، لأن بيونغ يانغ «فاخرت علنًا» عن نياتها لاستخدام برامجها «لتطوير صاروخ باليستي عابر للقارات مزود برأس حربي نووي يمكنه أن يضرب الأراضي الأميركية» (شهادة لاري نيكش). نيكش متخصص في الشؤون الآسيوية يعمل مع «مجموعة أبحاث الكونغرس» في مكتبة الكونغرس، لاحظ في شهادته رفض الجهاز التنفيذي في الحكومة الأميركية الإفصاح عن العلاقات بين إيران وكوريا الشمالية، إنما تسربت بعض المعلومات العامة حول تعاونهما على تطوير الصواريخ. ورأى أن أحد الأسباب كان تجنب إدارتي جورج دبليو بوش وباراك أوباما التعامل مع كوريا الشمالية. قال إنه عامي 2007 و2008 قاومت إدارة بوش طلبات من لجنتي الشؤون الخارجية والاستخبارات في مجلس النواب الحصول على معلومات حول تورط كوريا الشمالية في المفاعل النووي السوري الذي قصفته إسرائيل في سبتمبر (أيلول) 2007. أوضح نيكش أن وزير الدفاع الأميركي روبرت غايتس قال في سان فرانسيسكو في 12 أغسطس (آب) 2010 إن كوريا الشمالية تواصل تهريب الأسلحة إلى دول كثيرة منها بورما وإيران وأيضًا إلى حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزه، وإن تقارير كثيرة تشير إلى أن الحرس الثوري الإيراني هو الذي يسهل مساعدة كوريا الشمالية لحزب الله وحماس. وتساءل نيكش عما إذا كان الاتفاق النووي الأخير مع إيران، سيدفع الخبراء الكوريين الشماليين إلى مغادرة إيران والتوقف عن إعطاء دورات في التكنولوجيا النووية هناك. قال نيكش، إن التعاون بين الدولتين مستمر منذ عام 2011 وكانت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» أشارت في 15 فبراير (شباط) 2015 إلى وجود «مئات الخبراء من كوريا الشمالية في إيران»، وقد يكون هذا سببه الاتفاق الموقع بين البلدين في سبتمبر 2012 الذي حضره المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وأعلن يومها أن للدولتين «أعداء مشتركين». وكان سعيد جليلي المسؤول النووي الإيراني ضغط على الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد لإرسال مسؤولين إيرانيين إلى بيونغ يانغ لإبرام هذا الاتفاق الذي بموجبه أرسلت إيران لاحقًا خبراء من عندها للإقامة في كوريا الشمالية بشكل دائم. إيران الآن بصدد الحصول على محركات دفع عالية السرعة مناسبة للصواريخ البعيدة المدى. وسيصلها قريبًا من كوريا الشمالية أكثر من 12 محركًا مفككًا قادرًا على حمل 80 طنًا. هذه التكنولوجيا إلى جانب الخبرات الكورية الشمالية ستتيح لإيران تصنيع محركات لصواريخ بقوة دفع 96 طنًا في المستقبل. محركات الـ96 طنًا قد تكون نقلتها كوريا الشمالية عن النموذج الروسي RD - 252 الذي يحمل صاروخًا روسيًا عابرًا للقارات. التكنولوجيا المتقدمة التي تطورها إيران ذات أهمية عسكرية من وجهة نظر إقليمية، كون التوازن العسكري في الشرق الأوسط غير مستقر إطلاقًا. فالمحركات ذات الدفع الأعلى تمّكن الصواريخ البعيدة المدى من حمل حمولات أثقل من المحركات الأقل دفعًا، وبالتالي تسمح بالمزيد من الدمار ضد أهداف معينة. وتجري كل هذه الأنشطة في إطار التعاون العسكري المشترك السري للغاية بين إيران وكوريا الشمالية. والمعروف عن إيران أنها تعمل منذ سنوات لتطوير أسلحة بعيدة المدى، بما في ذلك تلك التي تحمل رؤوسًا نووية. والمحركات التي هي بصدد أن تحصل عليها من كوريا الشمالية هي ثلاثة أضعاف أقوى من المحرك المستخدم لصاروخ «شهاب - 3»، وأقوى من أي سلاح موجود في ترسانتها العسكرية. إن محركات الدفع العالي التي سيتم نقلها من كوريا الشمالية يمكن لإيران استخدامها لإطلاق أقمار صناعية ثقيلة إلى الفضاء، وتحت هذا التبرير تقوم إيران بتجربة صواريخها. إن التكنولوجيا المتقدمة حيوية لتطوير الصواريخ العابرة للقارات والقادرة على الوصول إلى أهداف تبعد آلاف الكيلومترات عن إيران، ونظريًا فإن محركات الدفع العالي يمكن أن تستخدم لتطوير الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى التي تستطيع أن تحمل حمولات أثقل من الصواريخ التي تمتلكها إيران حاليًا. إن التعاون العسكري بين إيران وكوريا الشمالية لتطوير صواريخ متقدمة، يشكل انتهاكًا مباشرًا للحظر الذي يفرضه المجتمع الدولي على البلدين. فالحظر الدولي على تطوير إيران لصواريخ باليستية عابرة للقارات والتعاون مع كوريا الشمالية على تصنيعها لا يزال قائمًا على الرغم من الاتفاق النووي الأخير. في السنوات المقبلة وبمجرد أن تستكمل الدولتان وبنجاح تعاونهما على محركات الدفع العالي، ستحاولان من دون أدنى شك، تطوير تعاونهما أكثر لإنتاج صواريخ متطابقة، وهذه ستكون خطوة كبيرة إلى الأمام في برامج صواريخ كل منهما. هذا النوع من الأسلحة يشكل نصرًا محوريًا في العقيدة العسكرية لكلا النظامين، الأمر الذي سيزيد من زعزعة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط في السنوات القريبة المقبلة.