الحياة -أسدت الحرب السورية خدمة للروائية سمر يزبك لم تكن تتوقع حجمها. فالكاتبة التي خرجت شبه مهزومة من جحيم بلادها إلى المنفى الفرنسي، سرعان ما وجدت نفسها تحت أضواء الإعلام الغربي ولا سيما الفرنسي، تتنعم بشهرة لم يحظ بها، ما خلا نجيب محفوظ، كاتب أو كاتبة عربية من قبل. فما إن ترجم كتابها «بوابات أرض العدم»، وهو الثاني لها عن مآسي السوريين بعد «نيران متقاطعة»، حتى عرف نجاحاً باهراً وحصد اهتمام أهل الصحافة والنقد. وانتشرت صور الكاتبة الشقراء في لقطات فنية جميلة في الصحف والمجلات وعلى الشاشات الصغيرة. إنها اللعنة السورية التي طاردت سمر يزبك في الداخل السوري استحالت نعمة في بلاد اللجوء، وعرفت هي كيف تقطفها. ولعله الحظ ابتسم لها ابتسامة عريضة بعدما تباخل على روائيين سوريين هم أهمّ منها.
لم يكن متوقعاً أن يحصد كتابها «بوابات أرض العدم» في فرنسا على سبيل المثل النجاح الرهيب الذي حصده أخيراً. راحت أقلام النقاد تتبارى في امتداحه وفتحت الصحف والمجلات أمامه وأمام صاحبته صفحاتها وزواياها وكأنه الحدث الأدبي السوري الذي كان منتظراً. ترحاب هائل نادراً ما ينعم به كاتب في منتصف مساره. مقالات وشهادات تمكنت فعلاً من تكريس الروائية الشابة في خانة الأدب العالمي الراهن. وما كُتب عنها في الصحافة الفرنسية كُتب عنها في الصحافة الغربية كلها. حتى في السويد، بلاد نوبل، رحبت الصحافة بها أيما ترحيب. كتب أمين معلوف، المعروف عنه تحاشيه عن مديح الكتّاب، يقول عن كتاب سمر: «كتاب جريء، كتاب نبيل». وكتب الروائي الفرنسي الشهير اريك اورسينا الذي نادراً ما يكتب في النقد: «هذا الكتاب جعلني أضطرب». وامتدح الكاتب المعروف فرنسوا بونيل الكتاب قائلاً: «كتاب الانشقاق والمقاومة». وذكر الناقد غريغوار لوميناجيه في مجلة «لونوفيل اوبسرفاتور» العريقة «أن البريطانيين قارنوا كتاب سمر يزبك بكتاب جورج اورويل «تحية إلى كتالونيا». وحسناً فعلوا». وشبّه الناقد شارل جيغو سمر بـ «شهرزاد التراجيديا السورية». وقال بيار هاسكي «هذا نص من أكبر نصوص الحرب في عصرنا». أما الملحق الأدبي لجريدة «لوموند» فخصّ سمر بالصفحة الأولى والثانية كاملتين، وهذا «الاحتفال» لا يحظى به إلا الكتاب الكبار. ومقال الصفحة الأولى كتبه الكاتب المعروف جان هاتزفلد.
يحق لسمر يزبك أن تتمتع بهذه الشهرة التي حلت عليها فجأة وجعلتها فعلاً بمثابة «نجمة» في الصحافة الغربية. أليست نعمةً حقيقية أن يقارن البريطانيون كتابها بكتاب لجورج اورويل؟ هذا ما لم تحلم به مرة خلال عيشها في سورية في ظل النظام الديكتاتوري الذي عمدت إلى فضحه في كتابيها الأخيرين. أما اللافت فهو تركيز معظم المقالات التي كُتبت عنها على انتمائها، هي المناضلة في صفوف المعارضة، إلى الطائفة العلوية، الطائفة الحاكمة التي اضطهدتها. وعرفت هي كيف تضرب على هذا الوتر في «بوابات أرض العدم». ومما زاد من الإقبال على كتابها، نقدياً وشعبياً، هو خوضها مغامرة العودة السرية إلى سورية عبر تركيا واجتيازها الأسلاك الشائكة التي جرحت ظهرها ورأسها. وفي عودتها هذه، كتبت عن أرض العدم وعن الجبهات التي لم تعد تحصى وعن الجهاديين المنقسمين على أنفسهم وعن المعارضة والجيش الحر والضحايا والشهداء الموتى والأحياء... وركزت المقالات أيضاً على تجربة السجن التي عاشتها سمر والإهانات التي تعرضت لها على أيدي السجانين. وهذا ما ينكره معظم أصدقائها في سورية، والكتاب والصحافيون السوريون، وفي حسبانهم أنها اخترعت حكاية السجن هذه لتقطف ثمارها إعلامياً وغربياً.
لم يلق كتاب سمر يزبك «بوابات أرض العدم» نجاحاً استثنائياً عند صدوره بالعربية (دار الآداب). كُتبت عنه مقالات مثلما كتب عن سواه من الكتب السورية. وهو أصلاً بمثابة الجزء الثاني لكتاب «نيران متقاطعة» الذي كان سبّاقاً في تدوين يوميات الحرب السورية. لعله الحظ، بل هو الحظ حتماً، فتح أمام سمر يزبك أبواب العالمية التي ستكون عبئاً عليها. اللعنة السورية التي عانت منها، انقلبت نعمة. والمهم أنها ماذا ستكتب الآن.