الحياة - أتت رسائل الرئيس الأميركي في الفترة الماضية بكثير من الالتباس والجدل، وقدمت برفقتها بروداً لم يكن مناسباً لا على صعيد الوقت ولا حاجة العلاقات لدفء مضاعف مع تصاعد الأخطار والتحديات. كانت الرياض وواشنطن بمثابة الحليفين المهمين والصديقين المتفقين على جملة من السياسات الداعمة لسلام إقليمي ودولي، لكن سياسة أوباما الأخيرة لم تكن على أحسن ما يرام على أصعدة مختلفة وإن تكن مساحة مراجعة الحسابات بقيت متاحة ومهيأة في ظل أن ثمة تقدماً موازياً لجملة حلفاء متحققاً على الميدان ويفرض إيقاعه في شكل غير مسبوق.
قمة الرياض الخليجية – الأميركية التي تعقد هذه الأيام يجب أن تكون محاطة بكثير من الالتزامات والوعود الواجب أن تكون مشتركة، ولعل متانة العلاقات على مر سنوات طويلة ترجح وتغلب جوانب التفاؤل والأمل وتُسكت كل الحكايات التي تسكب بعناية بين وقت ووقت وتترجمها بأنها ليست إلا حروفاً ملقاة على خط الهامش فيما النص الأساسي غارق في التفاهم والتعاون والمضي نحو أهداف تعزز الاستقرار الإقليمي والإسلامي.
وستكون الأشهر الثمانية المتبقية في ذمة الرئيس الأميركي لمصلحة كرسي الرئاسة حجر عثرة في إحداث تغيير ملموس في مختلف القضايا المطروحة على الطاولة لأن الزمن المتبقي لا يكفي لأن تنضج الجهود إذا ما كان سباق الكرسي سيجلب أنظار الاهتمام العالمي ويؤجل النقاش في ملفات ساخنة لحين الانتهاء منه، لا سيما أن نتائج هذا السباق تبنى عليها رؤى وقناعات وتوقعات وتحليلات وتعاد معها ربما - وأنا أقول ربما - هندسة المنطقة وخريطتها في شكل جديد أو لنقل مختلف الترتيب في الأولويات.
ترتيب الأولويات الخليجية - الأميركية لم ولن يكون صعباً على من يهمه أن ينمو الأمن ويكون التعايش الحكاية الأولى للألسن. لن يكون من الصعب كذلك أن تعود الثقة إلى مؤشرها الذي اعتاد المتابعون على قراءته ويمارس الحلفاء دورهم المنتظر ويشرعون في مواجهة ما يعلق بجسد المنطقة من أزمات سياسية وصراعات متتالية وصداع اقتصادي يخيف ولو من بعد، وتظل لياقة العلاقات العالية هي السر لإرساء الشراكات والاستراتيجيات والمنعطف الصريح نحو مستقبل مطمئن وواضح المعالم.
زيارة أوباما في توقيت عقد القمة الخليجية تحمل طابعاً من الذكاء الديبلوماسي والاعتراف المبطن بأن القوة الخليجية باتت تتحدث بطريقة أكثر ثباتاً وتوصل ما تريد من رؤاها وبات لديها صوت واحد في ما يعنى بأمنها وسلامها، ولذا من اللازم أن يكون فريق عمله الحالي في ما تبقى من الوقت محملاً بحقيبة مراجعة الحسابات وزيادة الدفء وتلطيف الأجواء بما تيسر من الالتزامات والسياسات الأجنبية وأن تمضي المدة المتبقية في عمر الضوء الرئاسي بلا قرارات خاطئة أو رسائل مائلة. صحيح أن الوقت لم يعد كافياً كما أشرت لذلك سابقاً، إنما على الأقل لتكون الخطوط العريضة للعلاقات بين الحلفاء غير قابلة للتراخي، معززة للثقة، وقادرة على تطويق الأزمات بهدوء ومن دون إفراط ولا تفريط.