العرب - حكى لي أحد كبار السن حكاية جميلة عن أحد شباب قريتهم الصغيرة المطلة على شاطئ البحر. يقول إنه كان طموحا منذ صغره. كان يحلم كثيرا بأن يصل إلى سدة القرار ليتمكن من تحقيق طموحه لصالح قريته تلك. كان متميزا ويتصف بالهدوء في تعامله مع ما يمر به من أحداث. كان يقضي وقته على الشاطئ، متأملا حينا ومفكرا حينا وصيادا حينا. لا يمكن أن تجده على الشاطئ إلا وهو في إحدى هذه الحالات الثلاث. عندما كان يصيد كانت هيئة الإذاعة البريطانية تعمل إلى جواره، وكان ذلك الصوت الذي يتحدث ويحلل وينظّر عن الشرق الأوسط ومشاكله لافتا للانتباه ومثيرا للتفكير وحافزا على التأمل. في تلك الأيام لم تكن هناك سوى مشكلة واحدة في تلك المنطقة المتوترة من العالم.
كانت القضية الفلسطينية فقط هي ما يشغل الهيئة وباقي الإذاعات المهمة في ذلك الوقت، وكانت هي جزءا مما يشغل صغيرنا. الجزء الأهم مما كان يشغله هو ما تطرحه الإذاعة من نقد تجاه دولته. يقول “الشايب” إن ذلك الصغير الذي لا ينفعل بسهولة ولا يتأثر ببساطة يتلون عدة ألوان ويبدأ في سحب الصنارة بشكل فيه بعض القسوة ويتصف بالسرعة غير المبررة ثم يعود ليقذف بها مرة أخرى بأقصى قوة ممكنة إلى داخل البحر، هذا لا يتفق مع هوايته تلك.
هيئة الإذاعة البريطانية ليست الوحيدة كما يظهر، إذا وبعد أشهر قليلة فقط تحولت تلك القرية إلى ما يمكن وصفه بنقطة حضارية جيدة في الدولة ونهضت من ناحية الاتصال والتواصل مع العالم الخارجي أسوة بسواها من المدن والقرى والهِجَر. البداية كانت متعبة نوعا ما، فقد كان من يملك الصحن الفضائي يخبئه عن أنظار العامة لكيلا يتعرض للنقد، وأحيانا للوم والمقاطعة. في تلك الأثناء كان الشاب مختفيا ولا يظهر إلا نادرا حتى انتقل الدعاة والمشايخ من القنوات الأرضية إلى الفضائية وانتشرت صحون الاستقبال بشكل لافت وأصبح من لا يملك أيا منها مدعاة للسخرية.
حينها، أصبحت ترى ذلك الشاب ينصب خيمته على الشاطئ للبقاء عدة ليال ليمارس الصيد ويتابع تلك القنوات وذلك الهجوم غير المعقول واللامنطقي والموجه ضد دولته التي يحبها بجنون. الشايب حزين لأن البعض يعتقد أن أجهزة الاستقبال لا تعمل بالبطاريات أيضا. أكثر ما كان يحزن صغيرنا هو حجم الأكاذيب والافتراءات التي كان يشاهدها من قنوات يفترض أنها ناطقة بلغة “الضاد”، وأنها تعمل لمصلحة العرب لا أن تخطط لنشر الفوضى في أرجاء الوطن العربي، ربما لأنه لم يعلم، حينها، أن طاقم الهيئة انتقل إليها للعمل فيها. وطنه كان الهدف رقم واحد، هو يعلم ذلك، وكان يتابع أصحاب القرار وكيف يتصرفون وما هي الخطوات التي يتخذونها لتوثيق العلاقة بينهم وبين الشعب. كنت تراه سعيدا في أحيان كثيرة وكأن ما يتمناه يتحقق أمامه، أو أنه سيتحقق عما قريب. أيا ما كان سبب سعادته فهو لا يتجاوز تلك القرارات والخطط.
كان طموحه أكبر من ذلك. الشايب يقول إنه ينظر إلى البعيد ويرى أن حكومته تعمل على أساس الحاضر وتخطط “خمسيا” لكنها لم ترسم خط السير لمرحلة طويلة، أو هكذا كان يعتقد. ويتساءل “الشايب” هل سيقوم هو بذلك ذات يوم؟ الوقت يمر سريعا وصاحبنا مازال يتأمل ويفكر ويصطاد. كان صيده منوعا، لم يكن وفيرا كل الوقت ولكنه كان جيدا. هذا وهو لوحده وليس بمؤسسة أو شركة أو مصنع. ماذا لو كان أحدها؟ هناك دول كثيرة يقوم اقتصادها على مزارع الأسماك ودولتي تملك ساحلين كبيرين إضافة إلى أنها تخطط لإنشاء ساحل ثالث يربط الخليج ببحر العرب للالتفاف على مضيق هرمز. ليس هذا فقط، ابن عمي يقطن في “السراة” وهي منطقة تبدأ بالطائف وتنتهي في اليمن. هو يمارس الزراعة والأرض صالحة لها وهناك دول يقوم اقتصادها على الزراعة. هناك أيضا السياحة الدينية والدنيوية ومنهما يقوم اقتصاد بعض الدول. هذه بعض الأفكار التي راودت ذلك الشاب وظل ينتظر لحظة قدرته على دراستها جيدا ثم اتخاذ القرار المناسب.
الزمن يمضي سريعا ومع أنه لا يزال يمارس هواية الصيد التي أشغلته الدنيا عنها إلا أن صاحبنا وصل إلى مبتغاه وأصبح صاحب قرار بعد عمل شاق وجهد كبير، وبدأ يعمل وفق وجهة نظره التي نشأت معه في السنوات الماضية، ووصل خلال شهور من العمل الجاد المخلص إلى خطة طموحة للتحول الوطني في غضون خمسة عشر عاما. كان ذلك الشاطئ وتلك القرية في مخيلته وهو يضع ملاحظاته على تلك الخطة التي جاءت من مجموعته الجميلة التي عملت معه عليها. لحظات الصيد وذلك الصبر وتلك القنوات وذلك النقد وتجارب ابن عمه وصديقه وكل ما مرت عليه ذاكرته من خبرات سعيدة أو حزينة كانت تنعكس على خطته تلك. كان يعمل على تجاوز ما كان سلبيا منها وتطبيق ما هو إيجابي. النتيجة: رؤية جميلة وحلم رائع وتحد مشوق.
جميلة هي الرؤية لكنها لم تذكر شيئا عن مصير الخطط السابقة التي تحدثت عن وطنه عام 2020. هل حققت أهدافها أو جزءا منها؟ جميلة هي الرؤية، ولكنها أيضا لم تذكر كيف ستحارب ذلك الوحش المسمى “الفساد”، وهل هناك آلية معينة لمحاربته؟ ومن سيحاربه وكيف سيتم ذلك؟ ذلك الصياد البارع لديه خطة عمل جبّارة بناها على ما اكتسبه من خبرات سابقة، هذه الخطة تحتاج إلى أن تعمل جميع الدوائر الحكومية على تنفيذها وتطبيقها على أرض الواقع. إنها، باختصار شديد، تحتاج إلى سواعد الشباب وإلى حماسهم وقوتهم لتحقيقها. هي تحتاج كذلك إلى الدعم على الدوام، والدعم موجود لأن تنفيذ الخطة ونجاحها معناه تحقيق حلم أمة، يقال إن اسمه “الحلم السعودي”.
يقول الشايب موجها حديثه إلى ذلك المتكئ في ركن المجلس “لا، أنا لا أتحدث عن محمد بن سلمان فهو لم ينشأ في قرية على شاطئ البحر”.