العرب - حلب لا تحترق وإنما هي تحرق، هذا ما يجري حقا، وهذه هي وظيفة القصف بالصواريخ الفراغية والبراميل المتفجرة، من قبل طيران النظام السوري والطيران الروسي، والهدف هو تشريد أهالي حلب، وتفريغ المدينة من سكانها، كما جرى ويجري في مناطق أخرى في حمص والزبداني، لأغراض تتعلق بعمليات التغيير الديمغرافي لهذا البلد، لأغراض طائفية، ولتثبيت نظام بشار الأسد، كي تتطابق مع الشعار المشين: “سوريا الأسد إلى الأبد”.
ما ينبغي الانتباه إليـه، أيضـا، أن القصف الجاري يستهدف تحديدا الأحياء الشعبية كثيفة السكان، مثل أحياء الكلاسة وبستان القصر والسكري والنيرب، بمعنى أنه لا يستهدف، البتّة، مناطق سيطرة تنظيم “داعش”، في ريف حلب الشمالي والشرقي وإلى حدود تركيا، ما ينقض كل الادعاءات حول هذا الموضوع، والتي تتوخّى التغطية على الجريمة الجارية، أو تبريرها.
علما أن “داعش”، في هذه الأثناء، تحاول التوسّع في ريف حلب الشمالي، بمعنى أن جماعات “الجيش الحر” والمدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام تجد نفسها في هذه الظروف في مواجهة حربين، في آن واحد، أي حرب النظام (وروسيا) وحرب “داعش”.
إضافة إلى ذلك مازالت “داعش” هذه تتحرك بسهولة بين باديتي العراق والشام دون أن يستهدفها أحد، لا بقصف جوي ولا بمواجهة برية، وما جرى في الرقة وتدمر كان بمثابة تسليم واستلام تقريبا مع بعض حركات مسرحية، للتغطية، تماما مثلما حصل في صيف (2014) حين استولت “داعش” على الموصل، واستولت معها على أسلحة أربع فرق، تركها الجيش العراقي (جيش نوري المالكي)، ومعها مئات ملايين الدولارات في خزانة المصرف المركزي في المدينة، الأمر الذي مكّن “داعش” وأسهم في تغولها منذ تلك الفترة.
ليس القصد من كل هذا الكلام محاولة الإيحاء بأن “داعش” هي وليدة النظام، أو تابعة له، وإنما القصد من ذلك القول أن النظام (ومن ورائه إيران) يشتغل على التسهيل لهذا التنظيم الإرهابي بغرض تشويه الثـورة السوريـة أمام العالم، والإظهار للدول الكبرى أن القصة لا تتعلق بثورة ضد نظـام الاستبداد، وإنما بنظام يواجه الإرهاب، فيما هو بواسطة طائراته ودبـاباته شرّد المـلايين ودمـر عمران سوريا.
ما ينبغي قوله هنا هو أن الحديث عن سوريا، ومن ضمنه الحديث عما يجري في حلب، بتعبيرات محايدة، أو بنسب الحرق والتدمير والقتل للمبني للمجهول، كما يفعل البعض عن نية حسنة أو سيئة، إنما يخدم النظام، ويسهم في التغطية على الجريمة، مرة بالتنكر للضحايا ومرة ثانية بإنكار الجريمة ومرة ثالثة بتجاهل القاتل، وهو موقف ينم عن مخاتلة وتلاعب، تماما مثلما يحصل في محاولة المساواة بين ما يقوم به النظام وما تقوم به بعض الجماعات المسلحة، هنا وهناك في إطار الصراع السوري.
وقد يجدر التأكيد هنا أن النظام الذي حكم، وتحكّم بسوريا وبالسوريين، طوال نصف قرن تقريبا، عن طريق سيطرته على المدارس والجامعات ووسائل الإعلام وقطاعات الاقتصاد، ومنعه الحياة الحزبية والسياسية، هو الذي يتحمل المسؤولية الأساسية عن كل ما يجري. وضمن ذلك يتحمل مسؤولية اندلاع الثورة السورية، بسدّه أبواب التغيير السلمي والديمقراطي، وهو المسؤول عن التحول نحو الصراع المسلح، بانتهاجه الحل الأمني وبفتحه البلد على مصراعيه لقوات إيران، وميليشياتها الطائفية العراقية واللبنانية، كما للطيران والقصف الروسيين. وهو أيضا المسؤول عن صعود جبهة النصرة وداعش في المشهد السوري، لأنه في العام الأول للثورة السورية استخدم كل قواته في مواجهة السوريين المتمردين على سلطته، ولأنه هو الذي سهل لهذه التنظيمات، في البداية، لإضعاف الثورة وتشويه صورتها، ولإظهار الأمر كأنه حرب ضد الإرهاب. وأساسا فإن هذا النظام هو المسؤول عن ذلك بسيطرته على موارد البلد، وهيمنته على السوريين، وبتحويله الجمهورية إلى ملكية وراثية، وإلى مزرعة خاصة بعائلة الأسد.
سلامة أهلنا في سوريا وسلامة أهلنا في حلب، سوريا لكل السوريين.