العرب - أخيرا حدث الشرخ الأكبر في جدار مرحلة المحاصصة الطائفية في العراق. وأصبحت نهاية عهد أحزاب الإسلام السياسي حتمية، بعد اقتحام المنطقة الخضراء وسقوط الحاجز المنيع بين الشارع وجزيرة الطبقة السياسية. البلد الآن في مفترق طرق خطير، ولن ينقذه سوى انسحاب رئيس الوزراء حيدر العبادي فورا من حزب الدعوة، لأن الوقت ليس في صالحه، إذا كان يريد إنقاذ نفسه والبلد من السقوط في كارثة لم يسبق لها مثيل، إذا انهارت الدولة في ظل وجود تنظيم داعش في أجزاء كبيرة من العراق وفي مناطق قريبة من بغداد.
سيكون إعلان انسحابه من حزب الدعوة، إشارة إلى انطلاق احتفالات شعبية عارمة، بانتهاء عهد المحاصصة الطائفية وإشاعة الأمل بأن البلاد بدأت تتحسس طريقها نحو دولة المواطنة والمدنية، وستكون لذلك تأثيرات كبيرة على مستقبل المنطقة برمتها.
إنها فرصة العبادي الأخيرة، ومن دونها لن يتمكن من تفادي الطوفان القادم.
إذا كان العراقيون قد تفهموا في الماضي تردده وإضاعته للفرص الكثيرة التي أتيحت له حتى الآن، فإنهم لن يغفروا له هذه المرة، لأن الانسحاب من حزب الدعوة أصبح اليوم السبيل الوحيد لنجاته ونجاة البلد من الانهيار والسقوط في الفوضى الشاملة.
لم يعد من المعقول أو المقبول أو المنطقي أن يشكل العبادي حكومة تكنوقراط، في ظل انتمائه إلى حزب الدعوة.
أمام العبادي اليوم طريقان فقط، إما أن يتحول إلى منقذ للبلد إذا أقدم على تلك الخطوة، أو تستمر الثورة إلى أن تصل إلى مطاردته وملاحقته. يمكن للعبادي أن يحول مزاج الشارع العراقي ومستقبل البلد بإعلان واحد، وسيجد، فورا، تشجيعا عارما يفوق حتى تشجيع المنتخب الوطني لكرة القدم عند فوزه ببطولة عالمية.
وسيجد أن أمامه فرصة سهلة جدا لتشكيل كتلة كبيرة في البرلمان، عابرة للطوائف والقوميات، ويمكنه أن يطلق عليها مثلا كتلة “الإنقاذ” أو “العمل”. وسيجد أن معظم أعضاء البرلمان سيقفزون للانضمام إليها، ليس رغبة في إنقاذ البلد فقط، بل من أجل إنقاذ أنفسهم والقفز من سفينة المحاصصة الطائفية الغارقة. وحين يكون مدعوما بأغلبية في البرلمان، ستنفتح أمامه أبواب تشكيل حكومة تكنوقراط، لتسيير أمور البلد إلى حين إجراء انتخابات عامة شفافة ونزيهة، وهو أمر لن يكون ممكنا دون طرد تنظيم داعش من جميع أراضي العراق.
الأمر المشجع في اقتحام المنطقة الخضراء، هو أن القوات الأمنية لم تواجه المتظاهرين، وتمت العملية بهدوء ودون تدمير للممتلكات العامة، باستثناء بعض الحوادث الطفيفة. من حسن الحظ أن تلك النقلة النوعية في تاريخ البلاد، حدثت دون سقوط ضحايا، ولو حدث ذلك فإن البلاد كانت ستسقط في فوضى عارمة.
قد يقلل البعض من أهمية ما حدث، لأنه تم من قبل فصيل سياسي واحد، هو التيار الصدري، الذي كان المحرك الأساسي لتلك النقلة النوعية، لكن ذلك لا يغير شيئا من زخم التحول الحتمي الكبير في العراق، الذي لا يزال محفوفا بالمخاطر. فينبغي النظر إلى ما حدث بهدوء وموضوعية ودون حماس ملتهب واستقطابات عمياء. وبغض النظر عن موقفنا من مقتدى الصدر، ينبغي أن نشير إلى أنه حدد أمورا مهمة فور اقتحام المنطقة الخضراء، وهي تصب في اتجاه خروج البلاد من مرحلة هيمنة الإسلام السياسي السوداء الممتدة منذ عام 2003
.
فقد أكد أنه لن يكون له أو لأتباعه أي نشاط سياسي إلا إذا كان عابرا للطوائف، وأنه لن يكون له أي تمثيل سياسي في الحكومة المقبلة، وهذا يكفي لإعفائه من معظم الاتهامات التي يوجهها إليه البعض، في هذه المرحلة الحرجة على الأقل. من الإنصاف أن نشير إلى أنه ركز أيضا على نهاية العهد الطائفي رغم أنه زعيم تيار ديني، وهو ما يخدم تحول البلاد نحو قيام دولة مدنية، إضافة إلى مساهمته في مرور الاقتحام بهدوء دون إسقاط البلاد في الفوضى.
الأمر الحاسم الآن، أن يبادر العبادي قبل أن تصل إليه النار، باتخاذ إجراءات التحول الهادئ، الذي ينبغي أن يبدأ بانسحابه من حزب الدعوة، لكي يتمكن من منع انفلات الحماس في الشارع وتفجير شهوة الانتقام، لأن ذلك قد يؤدي إلى فوضى عارمة وانهيار الدولة، وهو ما يمثل كارثة ستفوق كل ما شاهدناه من كوارث حتى الآن.
ينبغي على جميع القوى ووسائل الإعلام توجيه جميع النداءات العاجلة الآن نحو مطالبة العبادي بالانسحاب من حزب الدعوة فورا، من أجل تهدئة الغضب الشعبي وإنقاذ البلاد من السقوط في الفوضى. أما فشل الدولة وربما سقوطها، فجحيم لا يمكن تخيله، فهو يعني سقوط العملة وانهيار التجارة وحركة البيع والشراء، ويمكن أن يفجر أشرس الصراعات البدائية..
اقتحام المنطقة الخضراء أسقط هيبتها، ويمكن أن يتكرر الأمر مع كل غضب شعبي، ويمكن أن ينفلت الوضع مع سقوط أول ضحية على يد القوات الأمنية، حتى من قبل طرف مغرض يريد تفجير الوضع في البلاد.
الوقت غير ملائم لإسقاط السلطة التنفيذية في ظل وجود تنظيم داعش في أجزاء واسعة من البلاد، وفي ظل عدم وجود أي آلية لاختيار حكومة بديلة يمكن أن يثق بها العراقيون. لذلك فإن انسحاب العبادي من حزب الدعوة وتشكيل حكومة تكنوقراط تقوم بتسيير الدولة إلى حين طرد داعش من جميع أراضي البلاد، هما السبيل الوحيد لإنقاذ البلد، خاصة في ظل تزايد الدعم العسكري الأميركي للقضاء على داعش.
إعلان نهاية عهد المحاصصة الطائفية، سيلهب حماس العراقيين في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، وسيقودهم إلى الانتفاض على داعش، الذي سيخسر آخر مبررات وجوده في تلك المناطق. وعند تحرير كل مناطق العراق يمكن إجراء انتخابات شفافة ليستيقظ العراق من كابوسه الطويل.