الحياة - ثورة الخميني في إيران كانت بارعة ومستوعبة لدور الإعلام في إيران في ذلك الوقت، إذ استغلت أشرطة الكاسيت في الترويج لخطابها السياسي المضاد لنظام الشاه ونجحت في ذلك نجاحاً مبهراً، النظام في إيران لم ينس تلك الأهمية للإعلام، وإن تغير شكله ولكن المضمون ظل واحداً، وهو العمل الجاد للهيمنة على المحيط العربي، الذي يوجد به الكثير من المناطق الرخوة، وخصوصاً وجود أقليات مذهبية استغلها وضحك عليها وعلى غيرها من القوى السياسية العربية، التي صدقت أن إيران هي من يدافع عن قضايا العرب القومية، وخصوصاً القضية الفلسطينية، فمن يتابع الإعلام الإيراني المتحدث بالعربية مثل قناة «العالم» و«المنار» و«الميادين» يجد حضور القضية الفلسطينية في تلك القنوات، بل إن تلك القنوات تخصص الكثير من برامجها ولها مراسلون داخل فلسطين، ولكن يظل السؤال مشروعاً عن سياسة إيران على أرض الواقع ودفاعها عن حقوق الشعب الفلسطيني، فمثلاً في محادثات إيران مع القوى الغربية في ملفها النووي الذي استمر 12 عاماً ووصل إلى اتفاق نهائي لم نسمع كلمة وحقوق الشعب الفلسطيني على طاولة المفاوضات بين إيران وتلك القوى، كل ما نسمعه من المرشد أو الرئيس الإيراني وقادة الحرس الثوري هي تصريحات إعلامية لا قيمة لها تهدد وترعد بإزالة إسرائيل من الخريطة، والنتيجة للأسف لا شيء.
على رغم تكرار هذا الخطاب الإيراني الذي يدعي الدفاع عن الشعب الفلسطيني نجده يرتمي في أحضان الشيطان الأكبر، قد يقول قائل إن هذه مشكلة عربية، وإن العرب هم من يتحمل المسؤولية في الدفاع عنها، وهذا قول وتساؤل مشروع، ولكننا نعرف أن العرب كحكومات وشعوب لم يتخاذلوا في نصرة الشعب الفلسطيني، وما الأراضي العربية المحتلة من بعض الدول العربية إلا دليل على دفاع العرب عن فلسطين، في المقابل ماذا قدمت إيران لهذه القضية العربية الإسلامية، فقط إنشاء تنظيمات إسلاموية، ولاءها لطهران وتعمل في مسرحية إيران المدافعة عن فلسطين.
إيران دولة إسلامية وجارة للعرب منذ الأزل، وستبقى كذلك، ولكن النظام الحاكم فيها الآن يبث الفرقة ويحاول تصدير ثورته ومشكلاته الداخلية للعرب والإعلام الفضائي التلفزيوني هو وسيلته في هذا الوقت، وقرأت تقريراً نشر في إحدى الصحف السعودية قبل أسابيع ذكر فيه خبير بالشؤون الإيرانية أن إيران ترصد بليون دولار سنوياً لإعلامها الموجه للعرب، وأن مكتب المرشد الأعلى يعطي معونة لكل من ينشئ قناة فضائية مرتبطة بالسياسة الإيرانية بقيمة 750 ألف دولار، وغير ذلك من الأنشطة الإيرانية الإعلامية الموجهة للعرب، مثل وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية الإخبارية.
قد يجادل البعض أن اللوم ليس واقعاً على إيران ونظامها التوسعي، ولكن علينا نحن العرب وخصوصاً على مؤسسة النظام العربي الرسمي، وهذا طرح مشروع وصادق وقد تكون السياسة المضادة من الناحية الإعلامية هي المطلوبة الآن، ولكن نحن نعرف أن المشاريع الإعلامية الضخمة هي مكلفة اقتصادياً وتحتاج إلى استراتيجية واضحة وإرادة سياسية موحدة من العرب والتي لا توجد الآن للأسف، ولكن دول الخليج العربي وبحكم الموقع والقرب من إيران، إضافة إلى أنها المستهدفة بشكل مباشر من النظام الإيراني ولديها القدرات المالية الكافية فهي عليها الدور بالاضطلاع والتصدي لهذا المشروع. لا شك أن حجب بعض القنوات التابعة لإيران على الأقمار الفضائية العربية جهد ملموس وخطوة متقدمة، إضافة إلى البرامج التي تبث من بعض القنوات العربية والمترجمة إلى اللغة الفارسية تصب في هذا المشروع جهود جديدة، ولكنها باعتقادي غير كافية، فالطريقة المثلى باعتقادي محاربة إيران بالسلاح نفسه، أي إنشاء قنوات فضائية موجهة إلى الداخل الإيراني وتناقش وتفضح سياسة النظام الإيراني، الذي يبذر مقدرات شعبه... فمن يعلق الجرس؟