وضعت المملكة العربية السعودية نفسها تحت أضواء ومجهر الاهتمام العالمي في السنوات الاخيرة من خلال انتهاج سياسة " الحزم " خارجيا و" الاصلاح" داخليا.
سياسة جديدة يعقد عليها السعوديون قادة وشعبا آمالا كبيرا لتغيير واقع المملكة في علاقة بالمتغيرات الاقليمية والداخلية.
لكن تقييم سياسة السعودية قد يبقى محل جدل وتباين خاصة وان ثمار النهج السعودي الجديد لم تثمر بعد.
مركز كارنيغي يستعرض من خلال باحثيه التحرّك النشط الذي قامت به الرياض على صعيد السياسة الخارجية خلال السنوات الاخيرة.
حيث اعتبر فريدريك ويري الباحث في برنامج الشرق الاوسط أن تسلم جيل جديد من القادة السعوديين "الشبان" بزمام الامور فضلا عن التطور السريع للمتغيرات الاقليمية والتحالفات في المنطقة هو ما أحدث قطيعة مع أسلوب المناورة الحذرة فأضحت السياسة السعودية حازمة منذ تولي الملك سلمان مقاليد الحكم فتميزت السياسة الخارجية بنزعة عسكرية تجاه الصراع الإقليمي، كان محورها التدخّل في اليمن وقيادة تحالف عربي ضد الارهاب.
نزعة يفسرها الخبير بانه نهج نابع من شعور الرياض بالإحباط إزاء ماتعتبره انسحاباً أميركياً من الشرق الأوسط، وخاصة تواطؤ واشنطن الضمني إزاء سلوك إيران العدواني بعد الاتفاق النووي.
تغير كبير في السياسة السعودية يري فريدريك وري بأنه مرتبط ايضا بالتحديات الاقتصادية الناجمة عن استمرار انخفاض أسعار النفط، لكنه في الان ذاته لم يمس من قوة المملكة العربية السعودية وثقتها في نفسها وفي سياستها الداخلية والخارجية.
ولأن تغيير السياسة السعودية يعود في جزء كبير منه بسبب تغيير السياسة الامريكية تجاه الرياض وتجاه المنطقة يعتقد بيري كاماك الباحث في برنامج الشرق الاوسط أن الفتور الحال في العلاقات بي الرياض وواشنطن غير مسبوق رغم أن العلاقات بين البلدين دائما في مرحلة مد وجزر.
و مايمكن ملاحظته في هذا الاطار وفق "كاماك " هو أن الولايات المتحدة الامريكية إختارت التخلي عن دورها كشرطي للمنطقة وعن معادلة حماية الامن الخليجي والسعودي مقابل استقرار سوق النفط وفي الوقت نفسه، يشعر السعوديون بأنه تم التخلّي عنهم، وحتى خيانتهم، بسبب انخراط واشنطن الأوّلي مع طهران.
وقد اعتَبرت الرياض إشارةَ أوباما الأخيرة إلى دول الخليج بوصفها منتفعة بالمجّان، في مقابلته الموسّعة مع جيفري غولدبرغ من مجلة أتلانتيك، بمثابة ازدراء كبير.
تباين المواقف بشأن عدد من القضايا الاقليمية بين الرياض وواشنطن لا يمنع وفق الخبير الاستراتيجي من التنبؤ بأمكانية قيام علاقة جديدة بين البلدين هي الان في طور التبلور، حيث يُشير كلٌّ من الجانبين علناً إلى جوانب كثيرة من استمرار التعاون الأمني والاقتصادي بينهما، على الرغم من أنهما يختلفان في السر، وفي العلن إلى حدٍّ ما، على تشخيص بعض القضايا الاقليمية.
من جهة اخرى يعتقد الباحث في منظمة الطاقة والمناخ ديفيد ليفينغستون أن تغيير السياسة السعودية وان كان مرتبطا بشكل كبي بانخفاض أسعار النفط الحالي الى ان تواصل هذا الوضع هو إلى حدٍّ كبير نتيجة قرار المملكة العربية السعودية بالسعي إلى الحفاظ على حصتها في السوق، وتقديمها على استقرار الأسعار.
وقد جرت الإشارة إلى هذه الخطوة للمرة الأولى في اجتماع أوبك الذي عُقد في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، وآتت تلك الاستراتيجية أُكلها من خلال زيادة حصة السعودية في السوق العالمية. ورغم الخسائر التي تكبدتها السعودية بسبب هذه السياسة فإن الرياض ووفقا للفينغستون لن تتخلى عن حصتها في السوق ودورها العالمي مهما كانت التكاليف.
وبما أن السياسة السعودية الجديدة لن تكون بمعزل عن دول الجوار يؤكد مروان المعشّر الباحث ونائب الرئيس في مؤسسة كارنيغي أن تأثر المدخرات المالية للسعودية بسبب انخفاض اسعار النفط والتزام الرياض باصلاحات مكلفة سيجعل من تعهداتها بتقديم المساعدة لعدد من دول كالاردن ومصر تتغير ليس على مستوى الكم بل على المستوى الكيف حيث يعتقد المعشر ان السعودية ستطبق مساعدات لبعض البلدان في شكل قروض فعلى سبيل المثال، تركّز الرياض الآن على تقديم الدعم النفطي لمصر، والذي ستُضطر القاهرة إلى تسديده مع الفائدة.
وسيكون لذلك تأثيرٌ اقتصادي كبير على هذين البلدين، فمصر والأردن تعانيان اقتصادياً. لكن على الرغم من ذلك، ربما يجبرهما هذا التغيير على سنّ تغييرات واصلاحات جذرية.
في ذات السياق اي فيما يتعلق بعلاقة السعودية بدول الجوار يؤكد الباحث الاول في برنامج الشرق الاوسط كريم سجادبور أنه من المستبعد جداً أن يحدث تقارب بين الرياض وطهران في العام 2016. فالصراع السعودي- الإيراني هو حرب جيوسياسية بالوكالة، مغلّفة بمنازعات عرقية (عربية- فارسية) وطائفية (شيعية- سنّية).
إنها حلقة مفرغة، حيث تشعل الطموحات الإقليمية المتصارعة الشوفينية وسياسة الهوية في كلا البلدين، وما يجعل التقارب بعيدا عن التحقق في المستقبل القريب هو انخراط كل بلد في دعم اطراف اقليمية اخرى تكون بالضرورة ضد البلد الاخر.
رغم ذلك يعتقد سجادبور ان فشل المساعي الدولية في فض الصراع السعودي الايراني لا يعني بانه سيستمر طويلا بما انه سينتهي باستنزاف كل دولة لمجهوداتها وطاقتها في هذا الصراع وعند وعي البلدين بان تواصل الصراع لن يفيد البلدين.
وعلى صعيد آخر يعتقد الباحث الزائر في برنامج الشرق الاوسط جوزيف باحوط بان تغير السياسة السعودية سيكونولها تاثير على دول مجاورة اخرى كسوريا التي وان انخرطت السعودية في الجهود الدولية لحل الازمة في هذا البلد الا انها لا ترى مستقبلا للاسد في سوريا الغد وهو ما تدافع عنه بقوة، بالاضافة الى أنها تعمل وتفضل أن يستبدل النفوذ الايراني في سوريا بالنفوذ الروسي الذي سيكون اقل وطأة.
أما بالنسبة للبنان فيعتقد باحوط بأن قسوة وحزم السعودية في التعامل مع سيطرة حزب الله على القرار اللبناني ومعاقبة هذا البلد عبر اكثر من الية ووسيلة سيجعل مصالح السعودية في لبنان محل تساؤل وكذلك مستقبل هذا البلد الممزق بين المصالح والطوائف.
ورغم أن أكثر ما يثير ريبة الرياض هو البرنامج النووي الايراني فأن تقدم السعودية في خطة إنشاء برنامج نووي سعودي لا يزال معطلا ويسير ببطء في مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجدّدة التي لم تحرز اي تقدم سوى في توقيع عدد كبير من الاتفاقيات الاستطلاعية مع كبار مورّدي التكنولوجيا النووية.
وعلى عكس الخطوات التي اتخذتها دولة الإمارات العربية المتحدة لبدء تشييد مشروع مفاعل نووي كبير، لاتتحرّك المملكة العربية السعودية على وجه السرعة لترجمة تطلّعاتها للحصول على الطاقة النووية إلى قدرة تشغيلية وفق ما يؤكده الخبير في برنامج السياسة النووية تريستيان فولبي .
غداة الاتفاق النووي الإيراني، ليس ثمّة سبب ملحّ للتحرّك بأقصى سرعة في الطريق المدمّر لمحاكاة القدرة الإيرانية على تخصيب اليورانيوم. بدلاً من ذلك، ينصّ الاتفاق، كما أكّد السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة الأمير تركي الفيصل، على مَنْح بلده فرصة لالتقاط الأنفاس لتطوير برنامجه النووي المدني، بحيث أنه بحلول الوقت الذي تنتهي فيه المعوّقات الرئيسة بشأن البرنامج النووي الإيراني، "يجب علينا أن نمضي بخطوات واسعة من حيث القدرات البشرية لتطوير الاستخدامات السلمية للطاقة النووية".
إلى جانب ذلك، يستغلّ المسؤولون السعوديون مخاطر حدوث سباق تسلّح نووي مع إيران كورقة ضغط لاكتساب القدرة على فرض نفوذهم على الولايات المتحدة. فخلال القمة التي عُقِدَت في كامب ديفيد في العام 2015، على سبيل المثال، حوّل السعوديون الانتباه إلى احتمال منافسة القدرات النووية الإيرانية، في محاولة فاشلة للضغط على إدارة أوباما لتعزيز الدعم العسكري وإبرام معاهدة دفاع رسمية.
ومع استمرار تطوّر العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، ستكون رغبة المملكة في الحفاظ على الدعم الأميركي وزيادته، دافعاً أساسيا لاستراتيجيتها النووية.