ـــ ١ ـــ ينتظرون في القاهرة المؤتمر الاقتصادي (بعد أسابيع). وتتوقع مصادر عسكرية أن تتكرّر الضربة الجوية على ليبيا. بين الحرب والاقتصاد والقلق من الإرهاب وإعادة التوازن للسيطرة على الداخل يبدو التحدي أمام مشروع الرئيس السيسي في ذروته. ماذا فعل الرئيس السيسي مع حليفه السعودي؟ السؤال أوسع مما أحدثته ترتيبات الحكم الجديد في الرياض، أو ما أثرت به «تسريبات مكتب السيسي» عن نظرته للخليج، أو حتى ما تضمره تركيبة الملك سلمان من خطط لهندسة تحالف تتجمّع فيه خيوط (ولو متعارضة المصالح مثل مصر وتركيا) لكنها تلتقي عند (تشكيل قوة ما في وجه الخصم الإقليمي إيران)... وبرغم أنه تحالف مذهبي (يجمع السنية الحاكمة) إلا أن وجود «داعش» يمنع التحالف من الإفراط في المذهبية. تتحمّس مصر إلى «قوة عربية مشتركة»، و ستعلن قريباً لتضم الأردن إلى جانب السعودية والإمارات والكويت، وستوقع غالباً في إطار اتفاقيات الدفاع المشترك، لا إشراف الجامعة العربية، وستنحسر عملياتها في الجانب الشرقي («داعش» في الموصل والحوثيين في اليمن)، وتسرب مصادر في القاهرة... أما الجبهة الليبية فترتبها القاهرة على اتجاهين، الأول: تهديد بضربة جديدة، والثاني دفع جناح حفتر المؤيد للحكم في القاهرة ليكون طرفاً في عملية التفاوض، بغطاء رسمي معترف به، لتدخل ليبيا مجال عمل القوة المشتركة. هذا ما يتم التخطيط له وسط ألعاب شدّ وجذب، تحاول فيها الرياض توزيع الأوزان النسبية كما تراها، وهو ما يواجهه السيسي بإشارات إلى مسارات مفتوحة مع أطراف أخرى مؤثرة في الإقليم. وهنا نقطة الالتقاء بين المؤتمر الاقتصادي والتحالف الإقليمي، فالنجاح في المؤتمر سيحرر السيسي أكثر من تأثير الدعم السعودي، خاصة مع تعدد الأطراف الراغبة في إنجاح المؤتمر مثل واشنطن (لتضمن استقراراً ما في مواجهة العتمة المالية في الصيف المقبل) وفرنسا (العائدة إلى دور «العرّاب البديل» الذي ظلت تلعبه مع مبارك سنوات طويلة)... ...والمفارقة أن نجاح المؤتمر لم يعد يعتمد على «الداخل» أو بالتحديد «استكمال خريطة الطريق» بعد 30 حزيران (يونيو) بالانتخابات البرلمانية، بل بـ «الخارج» أي بقدرة مصر على لعب دور في حرب المواقع، التي تعتبر الحرب على الإرهاب جولة من جولاتها. وغالباً هي أكبر من الحرب... إنها لحظة سيولة ما قبل التشكّل الجديد. ـــ 2 ـــ هل يمكن أن نعيش اللحظة؟ بمعنى آخر: هل يمكن أن نعيش ونفكّر في الخراب المحيط بنا، متحررين من استحلاب الماضي (بكل التراكمات التي أدت إلى تلك البلادة) ومتحررين أيضاً من التفاؤل بالمستقبل (بكل ما يخفيه الأمل من إحباطات ويأس.. ويمنعه من إدراك اللحظة الراهنة). وهنا سنرى أن فهم الأمور كما تحدث الآن وهنا، ليست كما نتخيلها أو نستعيدها، ونحن نعيش الآن فيما يمكن تسميته: «... محصلة كوارث القرن العشرين..» بما قبله وبعده بقليل. نحن لسنا في «الكارثة» بل في «أطلال» تدميرها لنا.. أو لحياتنا، لسنا في صراع بين الحداثة والتخلف، بمقدار ما هو الدمار الناتج عن توقف الصراع عند أقاليم تُدار جميعاً وفق «قوة غامضة»، تتوازى فيها المتضادات، إلى درجة أن «الدولة الحديثة» تتعفن قبل أن تستكمل حداثتها، بينما الدول ما قبل الحداثية تنفتح على حداثة من نوع خاص يحفظ عفن تخلفها. هنا الدول كلها مثل «حويصلات..» تبتلعها «الدولة الإسلامية» القادمة من عفن الماضي، كما تدمّرها أحلام وأساطير الطغاة في السيطرة على المستقبل... هذا من دون أن نعيش اللحظة الراهنة لندرك ماذا فعلت بنا أحلامنا، وإلى ماذا قادتنا حروبنا الهوياتية...؟ هل يمكن أن نتمعن في الحاضر لنراه..؟ هل يمكن أن نسأل عن مصير الخليج الذي يقود المنطقة العربية لأول مرة في تاريخها..؟ يقودها بما تراكم من فوائض البترول؟ هل الخليج الذي يقود هو نفسه الخليج بصورته النمطية لهستيريا البترول؟ هل الخليج واحد، لا أقصد الدول، بل المستويات الفاصلة بين طبقات الحكم والطبقات المؤثرة ؟ هل الخليج قادر على أن يقود اللحظة الراهنة؟ ـــ 3 ـــ مصير الخليج؟ السؤال يبدو غريباً لمن ينظر إلى المشهد الحالي ويجد دول الخليج تقود المنطقة، بل تتقاسم حلبات المصارعة على السلطة الولاء الخفي أو المعلن لدولة من معسكري السعودية / قطر. السعودية ترتب بيتها الداخلي، وتهندس تحالفاً جديداً، توزع فيه الأوزان والأحجام، بينما قطر في معسكرها المنفرد تلعب لعبة التفكيك، ليصبح لها في كل أطلال مسمار وركام. كيف نسأل عن الخليج بينما جمهوريات ما بعد الاستعمار تتهاوى أو تتساقط أو تعيش رعب نهاية النعيم ؟ المنطقة في انفجارها تتحرّك، وهو ما لم يحدث من قبل، حسب إيقاع المال الخليجي، الذي لم يعد مجرد معونات أو دعم سري لكنه مال موجّه لتوقيف «مشاريع التغيير» وموديلات الحياة الجديدة. في هذه الثورات كان إنقاذ المنطقة من التعفن في حويصلاتها، فماذا فعلت أموال الخليج الموزعة على طرفي حلبة المصارعات السلطوية؟ وماذا يريد الخليج بتفجيره للحاضر؟ *نقلا عن "السفير"