يعرف الدكتور ثابت مذكور - في كتابه « صناعة التشويق في حرفية كتابة السينما» المفاجأة الدرامية بأنها أن تأخذ المتفرج وانفعالاته وتوقعاته في اتجاه مسار معين ،ثم فجأة تلقي إليه بالمعلومة أو الحدث الذي يصدم كل توقعاته ومسار انفعالاته وأفكاره السابقة ومبرر الذهاب نحو المفاجأة الدرامية هو أثرها في المتلقي ودورها في صناعة التشويق.
من الحقائق المعلومة بداهة أن العمل الذكي هو الذي ينجح في إتقان اللعبة الدرامية وفريق العمل الواعي هو الذي يدرك أن المشاهد لن يستمر في مشاهدة احداث يعرفها سلفا .
مسلسل سيلفي الرمضاني أدرك هذا الشرط الفني ففاجأ متابعيه بحلقة مختلفة كان عنوانها ( تحت الرماد ) وجدت صدى كبيرا لدى المتابعين بلغ حد وصفها ب( الجحفلة ) وهي الظاهرة المعروفة رياضيا وذلك حين فاجأنا فريق العمل في نهاية الحلقة بما لم يكن في حسبان أحد ونجح في كسر أفق توقعات المشاهدين .
حكاية الحلقة بسيطة وتتحدث عن شقيقين أحدهما لديه نزعة دينيةظاهرة فيما الآخر لايبدو كذلك.
ومن خلال ملاحظات الأب ( ناصر القصبي ) وخال الشقيقين ( عبدالاله السناني ) يصلان إلى قناعة أن ابنهما الذي يغلب على مظهره التدين قد تبنى فكر داعش الإرهابي وتتاكد شكوكهما حين يجدان في غرفته وشقيقه كلاشنكوف ومبالغ ماليه، وحينها لايساورهما أدنى شك أن هذا الإبن المتدين خطر داهم ومحدق .
تتواصل الأحداث ويتصاعد القلق من هذا الابن وتصرفاته وأفعاله ومحادثاته التي تفسر كلها على أنها فكر إرهابي حتى عندما يتحدث عن نجاح عملية والدته التي ترقد في حالة خطرة في المستشفى ويسمع الأب والحال المكالمة يذهب إلى تفكيرهما أن العملية تعني (عملية إرهابية) وليس( عملية جراحية) ومع ازدياد القلق من تصرفات الابن المتدين لايتم الالتفات للابن الآخر الذي كان يتشكل فكره ويتلوث بالنهج الداعشي دون أن يكون هناك أي مظاهر توحي بذلك !!!!!
لكنه يفاجيء والده وخاله بالقتل رغم أنهما كانا يوقنان بأن الخطر من الابن الملتزم لتقلب الحلقة كل التوقعات وتحقق أقصى درجات التشويق بهذه المفارقة الناجحة .
يقيني أن موضوع الحلقة الذي يتحدث عن الفكر الداعشي كان يتطلب هذه اللعبة الدرامية -التي أجادها كاتب العمل ( محمد الهمزاني)- فالواقع يؤكد حقائق مذهلة حول انخراط شباب غير ملتزم ولا متدين ضمن التنظيم وهو ماجعل الأسرة السعودية تعيش أسوأ مراحلها حين يتسرب ابناؤها كالماء من بين الاصابع دون سابق إنذار.
وتحطيم هذا الفكر لكل ماتؤمن به من قيم عائلية تقوم على مباديء الرحمة والعطف والتكافل والحب وهذه أعظم رسالة أفصحت عنها الحلقة كما أنها أيضا أعلنت بوضوح أننا مازلنا نجهل الأسباب الحقيقية خلف تبني أبنائنا لهذا الفكر الخطير وأننا لانعلم من أي باب يأتينا؟ !!
سيلفي بهذا الطرح أكد لنا نمطية وسطحية الرأي الذي يعتقد أن للتطرف الفكري شكل محدد ومواصفات بعينها.
وأنه ينشأ لدى شريحة معينة كالملتزمين ودعانا إلى أن نعيش الحقيقة كما هي فالفكر المتطرف (هلامي الشكل ) وله صفة التمدد وبات يتخطف الجميع والتنبه له والوعي الكامل بكل مايحيط به تحتاج الكثير من البحث والدراسة .
بهذه الحلقة العميقة أثبت فريق عمل سيلفي علو كعبهم درامياو مدى الوعي الدرامي لديهم واثبتوا بها قدرتهم على صناعة التشويق.
كما دحضوا تلك التهمة الجاهزة التي يرمون بها في كل مناسبة بأنهم لاهم ولاهدف لهم سوى الانتقاص والسخرية من الملتزمين والمتدينين.
ب ( تحت الرماد) يمكنني القول باطمئنان أننا بدأنا خطوة جديدة في تعاطينا مع الفكر المتطرف دراميا بعد ان كان التحذير منه يسقط في التقليدية بطريقة بدائية وعبر برامج توعوية تأتي في قوالب بالية لاتواكب العصر ولاتخاطب عقول الجيل مكتفين بالحل الأمني في وقت تبرز فيه الحاجة لممارسات أخرى والدراما واحدة من تلك الأدوات .