سطحية نيويورك تايمز

محمد اليامي

صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية نشرت تقريراً لـ «كارول جياكومو» عن الانتخابات البلدية المقبلة في السعودية، وهي اهتمت بالأمر كونها أول انتخابات بلدية تصوت وتترشح فيها المرأة، مشيرة إلى أنه من الناحية النظرية فإن تلك الانتخابات ينبغي أن يُعتمد عليها باعتبارها مقدمة لتمكين المرأة السعودية، لكن الواقع أكثر غموضاً، على حد وصفها.

 

الصحيفة تحدثت عن أنه من بين 4.5 مليون امرأة سعودية مؤهلة للتصويت، سجلت فقط منهن 132 ألف سيدة في التوقيت المسموح به للتسجيل، كما أعلنت 1000 منهن الترشح مقارنة بترشح 6428 رجلاً.

 

وكشفت الصحفية الأميركية أن نساء كثيرات من اللواتي قابلتهن في المملكة، وكثيراً منهن متعلمات وتحت سن الـ50، تحدثن عن عدم تخطيطهن للمشاركة في التصويت.

 

التقرير في رأيي كان سطحياً من الناحية المهنية، فلقاء بضع سيدات من بين 4.5 مليون امرأة، والقول إن عدداً منهن «عبّرن عن اهتمامهن بتطوير ألعاب الفيديو أكثر من المشاركة في الانتخابات!»، لا يعكس رؤية المرأة السعودية كمواطنة، ولا بقية المجتمع.

 

قلة عدد المسجلات يمكن أن يكون لها 100 سبب، تبدأ من الوضع الغريب بصعوبة المواصلات لدى الكثيرات، ولا تنتهي عند عدم موافقة «ولي الأمر» على الفكرة من الأساس، وتمر بأن الكثيرات منهن يعتقدن بقناعة تامة، أو قناعة مدعاة، بأن زيادة تمكين المرأة في المجتمع ومؤسساته الحكومية والمدنية هي جزء من مخطط «التغريب»، مثلاً كما يضخ بعضهم ذلك في وجدانهن.

أيضاً يجب أن نعترف، وهذا يشمل الجنسين، وليس النساء فقط أن التعليم بمعنى الحصول على شهادة لا يعني بالضرورة حدوث فعل التعلم الذي يقاس عادة بالسلوكيات، وطرق التفكير والعيش، فالكثيرون في العالم العربي يتعلمون لكي يتوظفوا، وبأساليب التعليم التي بدأنا نعرف ضعفها أخيراً، فإنهم غالباً «متلقين» وليسوا متفاعلين، وهنا لا بد لي من الإشارة إلى أن هذا لا يعني بالضرورة أيضاً أن 132 ألف امرأة يؤكد فكرة أن التعليم حقق تقدمهن الفكري.

 

قياساً بعدد السكان، يمكن اعتبار الإقبال من الجنسين ضعيفاً، وهذا ما يجب درسه وكتابة التقارير عنه؛ لتحقيق أداء أفضل في دورات انتخابية لاحقة.

 

اللافت أن عدد المرشحين والمرشحات كبير نسبياً، والمعلومات عنهم شحيحة، والمدة التي ستتاح لهم للدعاية قصيرة جداً، لذا أتوقع أن بعضهم سينتخب عشوائياً، ولن يكون في مقدور كثير من الناخبين معرفة مؤهلات كل المرشحين في دوائرهم، وهنا قد ينتخبون مرشحاً، ثم يكتشفون في ما بعد أنهم لم يمنحوا صوتهم لمن هو أفضل منه، فقط لأن الوقت لم يسعهم للاطلاع على برامجه وأفكاره.

 

هذه الانتخابات جزء من الإصلاح السياسي السعودي، وهي تعكس عمق رؤية أصحاب القرار الأعلى، بتحقيق المواطَنة الكاملة للمرأة، لكن بعض القيود على المرشحين يفرِّغ الفكرة الانتخابية من محتواها.

 

صحيفة «نيويورك تايمز» لم تكن عميقة في طرحها، ولم تعمل الكاتبة بجدية على الموضوع لتسبر أعماق هذا المخاض الانتخابي الذي هو جزء من مخاض الناس الاجتماعي والثقافي، لم تعمل الصحيفة والصحافية فيها على كشف ما سمَّتاه «الغموض».

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه