2016-07-18 

الزلزال الذي هز تركيا وزاد من حالة الإنقسام الخليجي

من الرياض غانم المطيري

لا يزال صخب محاولة الإنقلاب العسكري الفاشل في تركيا يشغل الناس في كل بقاع العالم خاصة في العالم العربي الذي نجح هذا الزلزال الذي هز تركيا في الإرتداد على الوطن العربي وتقسيمه بين رافض للانقلاب ومؤيد له.

 

محاولة إنقلاب إهتز لها كل العالم لكن ردود الأفعال في البلدان العربية وخاصة الخليجية منها كانت إنفعالية ومتشجنجة كثيرا رغم أنه لا تأثير لها على المشهد السياسي والأمني في تركيا.

 

 

في هذا السياق إستغرب الصحفي والكاتب السعودي صالح الشيحي من ردود فعل مثقفي الخليج العربي وقادة لواء الاصلاح فيه المتشجنجة تجاه الإنقلاب في تركيا، داعيا إياهم إلى توفير هذه الطاقة في الإنشغال على التحديات والقضايا التي تعيشها بلدانهم.

 

 

الشيحي وفي مقال له في صحيفة الوطن إعتبر بأن الحرب والسجال الذي أثارته محاولة الانقلاب في تركيا في الوطن العربي وبلدان الخليج العربي على وجه الخصوص هي أشبه بالجعجعة التي لم ولن تفرز طحينا لأن نتائجها ولا تفاصيلها ستنفع الشعب التركي أو الحكومة التركية.

 

 

إلى ذلك إنتقد صالح الشيحي الإنقسام الحاد الذي أحدثته المحاولة الانقلابية وخاصة الإنفعالية المفرطة لدى النخبة في الخليج العربي في التعامل مع هذا الحادث ومع أصحاب الرأي المخالف رغم أن الأمر لا يعنيهم في شيء، ذلك وأنه حسب تعبير الشيحي فقد تجاوزت ردود الأفعال حرية التعبير عن موقف محدد من حدث ما لتتحول مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام إلى منصات للتقاذف بالتهم بين مؤيد ومعارض للانقلاب.

 

 

لكن ما يزيد من إستغراب الشيحي هو أن هذا الانقسام والانفعالية المفرطة في التعامل مع إنقلاب تركيا هو إستنساخ لظاهرة تكررت طيلة خمس سنوات رغم إختلاف الأحداث ورقعتها الجغرافية ضاربا بما حدث ليلة الثلاثين من يونيو 2013 في مصر مثالا عن ما يحدثه كل حدث خارج المنطقة من إنقسام كبير وردود افعال متشنجة. 

 

 

وإن أكد الشيحي في مقاله على حق كل شخص في التعبير هن موقفه من كل حدث وخبر إلا أنه عاب على الأكاديميين  والناشطين والإعلاميين طريقة تعاملهم مع ماحدث في تركيا واصفا إياها" بالامر المخجل" حيث انحدر مستوى ولغة الحوار بشكل كبير كما إنتقد  المدافعين عن الانقلاب العسكري والمتخفين وراء عباءة الليبرالية في موقفهم الغير مفهوم والغير مبرر.

 

 

الشيحي ختم مقاله بأنه وعلى الرغم من نجاح إنقلاب تركيا في تقسيم مثقفي وإعلاميي ونشطاء الخليج العربي إلا أنه أكد بأنه لا أثر ولا تأثير لردود أفعالهم المتشنجة.

 

في ذات سياق قراءات وتحليلات محاولة الإنقلاب العسكري الفاشلة في تركيا  أعاد الإنقلاب  الجدل حول مستقبل العلاقة بين الدولة والجيش ومدى تأثيرها في موقع تركيا الإقليمي ووزنها الإقتصادي والسياسي. تساؤلات  تتفرع عنها أخرى لتشمل الدور والوزن الحقيقي للجيش في تركيا وعن التهديدات والضمانات التي يوفرها للعلمانية وللاستقرا في هذا البلد.

 

 

  الكاتب والأكاديمي السعودي علي سعد الموسى  وصف في هذا الإطار مؤسسة الجيش في تركيا بحكومة الظل التي تتقاسم مع الدولة التركية النفوذ والتأثير لكنها ونظرا لطبيعتها المعقدة مثلت وستظل خطرا كبيرا على العملية الديمقراطية والسياسية في هذا البلد حيث يحفل تاريخ تركيا منذ تأسيس الدولة التركية بالإنقلابات العسكرية التي بلغ عدد من نجح منها في قلب موازين الحكم 6 انقلابات فيما كان الفشل مصير 4 منها وفق تعبيره. 

 

 

إلى ذلك يذهب الموسى من خلال مقال له في صحيفة الوطن إلى إعتبار فصل الدين والجيش عن الدولة الحل الوحيد القادر على ضمان الإستقرار السياسي في تركيا وعدم تكرار سيناريو الانقلابات بإعتبار أن طبيعة المؤسسة العسكرية التي تتكفل بحماية العلمانية منذ رحيل الأب الروحي للدولة التركية مصطفى كمال اتتاورك ستبقى الشبح الذي دائما ما يؤرق الدولة التركية والحياة المدنية. فالجيش في تركيا ومنذ ولادة الدولة التركية يمثل مقدسا لا يمكن المساس به خصوصا وأنه يمثل وصية من بين وصايا أتتاورك الذي يعتبره حاميا للعلمانية وحصنها القوي ووفقا لهذا الوزن  والقيمة يتصرف الجيش التركي كدائرة مقفلة مغلقة، وكجسد اقتصادي عملاق وكيان "جيوسياسي" لا يعمل مكشوفاً أمام السلطة الديمقراطية المدنية وفق تعبير الموسى.

 

 

العلاقة الجدلية بين الجيش والدولة في تركيا والتي دائما ما تتوتر وتصل حد التصدام تشبه بشكل كبير كما يصفها الموسى بالعمارة المكونتين "من دورين ولكل منهما مدخله الخاص وحياته المستقلة، لكن الجيش يعيش في الدور السفلي ويهدد بنزع ما شاء من أعمدة البنيان تحت الساكن الفوقي." 

 

 

ورغم أن البعض يعتقد بأن فشل الإنقلاب أعطي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الفرصة لتصفية حسابه مع الجيش إلا أن الموسى يذهب عكس ذلك تماما بالنظر إلى الحذر الكبير الذي تعامل به أردوغان مع محاولة الإنقلاب حيث إتهم  "الكيان الموازي" داخل هيكل الجيش بلغة مختارة منتقاة كي يبعد قوام الجيش التركي عن محاولة الانقلاب الفاشلة، رغم أن  هذا التوصيف لا يشرح أبداً جوهر المشكلة لأن الجيش التركي في الحقيقة هو "الكيان الموازي" برمته، الذي يقف كتفاً بكتف مع الحاكم المدني حيث لا يمكننا الحديث عن "قلة" بينما كانت دبابات الانقلاب الفاشل تجوب المدن الجوهرية، من إسطنبول في الغرب حتى بورصة وأنقرة في القلب، إلى غازي عنتاب في الشرق وأنطاليا في الجنوب. انقلاب شاركت فيه وحدات من الجو والبر وحتى البوارج البحرية على حد تعبير الموسى.

 

 


ناهيك أن وخلال أدائه يمين القسم رئيساً للدولة أمام البرلمان قال في جملة القسم الرسمية بها"أن أحمي العلمانية وأحافظ على الجيش".أردوغان  يعلم جيدا وفق تحليل الموسى بأنه سيصعب عليه المساس بالجيش والعلمانية، لا لأنهما من المقدسات الموروثة لدى الشعب من وصايا زعيمهم التاريخي أتاتورك فحسب، بل لأن المساس باستقلال هذا الكيان الموازي "الجيش" سيهز مصالح ما يقرب من 20 مليون مواطن تركي وآلاف الشركات وزعماء المال والأعمال المرتبطين بالانتماء أو المصالح مع هذا الكيان الموازي، الذي يشكل كتلة اقتصادية واستثمارية تشكل وحدها ما يقرب من ربع الناتج القومي التركي.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه