بعد تعاقب وقوع الحوادث الارهابية الدامية التي هزت فرنسا و المانيا مؤخرا ، أصبح المسلمون بين المطرقة والسندان ، أي بين مطرقة الارهاب التي لا تفرق بين الانتماءات الدينية ، وهذا ما حصل خلال اعتداء نيس حيث أن ثلث الضحايا من المسلمين وغالبية ضحايا اعتداء برلين كانوا من المسلمين كذلك ، وبين سندان اليمين المتطرف وهم يتفوهون بكلمات كلها عداء ضد المسلمين ، وربما إلى غاية اعتداء نيس لم ير العرب المسلمون في فرنسا تنامي العداء ضدهم ، ولم يكن متوقعا،ولكن من بعد تجلت تصدعات الوحدة الفرنسية وتأثر بها المجتمع الفرنسي بمختلف مكوناته، ووقع هذا المجتمع في الفخ الذي نصبه إليه الارهابيون لاستهداف أمنه واستقرار تعايش ابنائه.
واعقب الاعتداء الارهابي الذي وقع يوم أمس في كنيسة سانت اتيان الفرنسية واعلنت داعش مسؤليتها عن ذبح كاهن الكنيسة ، سيل جارف من الهجوم والتعبير عن لفض اقدام المهاجرين العرب من قِبل أتباع الجبهة الوطنية وهو حزب يميني في فرنسا ،وعكست تغريدات بعضهم اقصى درجات العنصرية والحقد ،وصار الارهاب الذي اوقعه عدد من اللذين تعود أصولهم لدول عربية وتأذى منه سياسيون و فنانون و صحفيون وحتى رجال دين من المسيحين هو فرصة لبعض الاحزاب المعارضة الذي اتخذته مطية لتحقيق مبتغاها في بلوغ قصر الاليزيه .
كما أن ظهور نازيين جدد في المانيا والتصريحات التي ادلى بها مرشح الانتخابات الرئاسية الامريكية المقبلة دونالد ترامب ترادفت مع ما يصدر عن الجبهة الوطنية الفرنسية التي صارت ترى نفسها في ائتلاف غير معلن مع المانيا وامريكا، وهي البلدان الثلاثة التي تشهد احداثاً دامية في الفترة الاخيرة .
وتقود هذا الائتلاف فرنسا بصفتها الضحية الاولى للضربات الموجهة تتصدرها الجبهة الوطنية التي تحركت بشكل كبير منذ احداث شارلي ايبدو ،وصارت كلما تُضرب فرنسا إلا وصعّدت من تحذيراتها ضد المغتربين.
وفي خضم تلك الموجة من العداء ، فإن المغتربين من العرب المسلمين مطالبون بالفطنة والتحلي بالحكمة وتوحيد صفوفهم اكثر من اي وقت مضى ، والعمل على ترويج صورة الاسلام بشريعته السمحة وسلوكياته القويمة بعيداً عن ترديد التراثيات الغابرة لمقولات تحث على الاقتتال والتنافر أكثر من التعايبش والتسامح .
لقد عانى المسلمون في بعض المجتمعات العربية من فوضى سياسية لمدة قرون ربما تعود بانتهاء عهد الخلافة العثمانية وزادتها تبعات مخططات التقسيم للمنطقة كإتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور والحقتها فضائع جرائم سجن ابوغريب واحتلال العراق وعواصف الربيع العربي المدمرة ،لكن استدراكا لكل هذه المرارة في الروح العربية المجروحة و الرغبة في الثأر للكرامة النازفة يجب أن يكون رد الفعل عبر إعلاء قيم حضارية و انسانية تعكس السلم اكثر من العنف الذي يعرف كيف يفرّق بينهما العربي المسلم الواعي ،ويعرف تمام المعرفة الفرق بين المقاومة المشروعة و المكفولة دوليا وبين الارهاب الاعمى والانتقام المتوحش .