يبدو أن التجاذب الإيراني مع السعودية يمتد إلى أدق التفاصيل، وأن طهران لا تتوانى في الرد على السعودية في أية خطوة تقوم بها حتى إن كانت لا تتصل بها مباشرة، فهي ضد كل تحرك يعزز قوة السعودية وحضورها، خصوصاً بعد أن باشرت الرياض التعبير بقوة عن إمكاناتها، وحزمها في مواجهة الاختراقات الإيرانية المتعددة في المنطقة وانعكاساتها على الاستقرار العام ونشر الطائفية والاحتقان. كان نجاح الاستخبارات السعودية في إنقاذ الديبلوماسي الخالدي من فخاخ «القاعدة» ضربة قوية لطهران، لما يعنيه من قدرة التحرك على الأرض وتجاوز كل الصعوبات، والوصول إلى مكان احتجاز مواطنها ومن ثم تحريره، هو رد ميداني على إشاعات غياب السعودية ومحدودية إمكاناتها وقصورها المعلوماتي استخباراتياً، وهو - عملياً - استعراض للقوة ودرجة النفوذ والسطوة في مقابل المزاعم الإيرانية، ما يبث رسالة مضمونها أن الحضور لا يكون قولاً وإرجافاً، بل حركة حية على أرض كلها تعقيدات. امتلأت طهران غيرة فبحثت عن رد مماثل، يثبت أنها لا تقل عن الرياض قوة ومهارة، فابتكرت مسرحية إنقاذ ديبلوماسيها المختطف منذ عامين في صنعاء بتفاصيل تستحضر الأداء السعودي وتتطابق مع تفاصيله. الخالدي اختطفته «القاعدة» وظهر مراراً ناقلاً مطالبها وشروطها للإفراج عنه، بينما الإيراني لا أحد يعرف الذين اختطفوه وما هدفهم من ذلك، ما لم يكونوا من عشاق المائدة الإيرانية، وهو من الطباخين المميزين. 20 شهراً ولم تظهر الشروط الإرهابية التي رفضها الإيرانيون وفق كلام مساعد وزير الخارجية، بل كانت الصفة العامة الصمت المريب والاكتفاء بالاحتجاز من دون غاية أو هدف، أما الظروف الصعبة والعزلة التي عاشها الديبلوماسي الإيراني طوال هذه الفترة فلم تظهر على ملامحه السعيدة والرائقة حال عودته إلى طهران الخميس الماضي. لم تطق طهران الصبر وهي تتابع تفاعلات النجاح السعودي المفاجئ، فأرادت استلابه أو على الأقل الاستحواذ على جزء منه، فأنتجت مسرحية الإنقاذ المتزامنة مع الإنجاز السعودي، فلم يأت الأمر مبكراً أو متأخراً عنها، لأنه لم يكن سوى رد فعل أفرزته الغيرة وكتب عباراته الغيظ. التصريح الإيراني حدد أن العملية تحققت بـ «أقل الخسائر الممكنة»، فما هي هذه الخسائر؟ هل هي فدية؟ هل سقط فيها قتلى أم اختطف بعض الجنود؟ أم أنها مجرد مقايضة بأحد دواعش العراق كانت اعتقلته ميليشيات إيران السائحة في الأراضي العراقية كما ذكرت بعض التقارير. المبارزة الاستخباراتية من أهم أدوات الصراع واستعراض القوى، إلا أن الثابت أن السعودية هي الرابحة في هذه العملية وليس لطهرن سوى رد الفعل المسرحي، ما لم تكن الاستخبارات السعودية أثناء ملاحقة مكان احتجاز مواطنها أرشدت طهران إلى موقع ديبلوماسيها المختطف! الغيرة لا تقتل النساء فقط، بل قد تدفع الدول إلى تهور سلوكي مماثل، فلا منطق لها أو عقل، إنما هي عاطفة عمياء ناقمة وثأرية الطابع!