ما يقوله مذيعو النشرات الجوية عادة، هو أن الطقس في الكويت ساخن جداً صيفاً، وباردٌ جداً في الشتاء. لكن ما لا يعرفه هؤلاء أن الطقس السياسي في المنطقة، التي تعيش فيها الكويت، لا يعتبر ساخناً فحسب، بل قابل للاشتعال في أي لحظة، فهذه إمارة صغيرة المساحة، في منطقة تزنّر خاصرتها الحرائق الكبيرة، ما يجعل من دور الكويت الإنساني والديبلوماسي، ضرورة وليس خياراً، لحماية نفسها، وللمساهمة في بقاء الإقليم مستقراً.
وبعد أيام قضيتها في الكويت، وصلت إلى قناعة بأنه من خلال دورها الإنساني، تبدو الكويت قادرة على لعب دور الإطفائي في المنطقة، ليس بسبب ثروتها النفطية، ولا يمكن أن تكون دولة عظمى بالطبع، بل لأن أدوارها السياسية والإنسانية لديها مصداقية، تؤهلها لأن تلعب دور الوسيط الموثوق، دون مصالح سياسية، أو أيدولوجية.
الخبر الرئيس خلال زيارتي كان الذكرى الثانية لتسمية أمير الكويت، الشيخ صباح قائداً للعمل الإنساني وشاهدت في جمعية «الهلال الأحمر الكويتية»، و«صندوق التنمية الكويتي» وكذلك بعض الجمعيات الخيرية التي زرتها، أسباباً حقيقية، تدعم هذا الترشح والتسمية، التي قال عنها أمير الكويت في كلمته لدى الأمم المتحدة إنها ليست تكريماً له شخصياً، بل للإرث الإنساني الكويتي الشعبي ككل.
كل الذين سألتهم من أقطاب العمل الخيري في الكويت يقولون إن التحرك الإنساني لا يرتبط بمذهب أو طائفة، بل إنساني صرف. وهذا هو السبب الرئيس في أن تختار الأمم المتحدة أمير الكويت وبلاده، لتكون مركزاً للإنسانية.
مروان الغانم مدير إدارة العمليات يفخر بأن صندوق التنمية أصبح يمول نفسه بنفسه، ويقول لي إن ميزانية الصندوق تبلغ ملياري دينار، وأنهم يعملون في أكثر من 106 دول.
هناك من يغمز من قناة الكويت من أنها تبحث عن الحياد السياسي، حتى عن وسطها الخليجي، وكان هذا غير صحيح، فمواقفها واحدة، وحتى مفاوضات الحوثيين والشرعية في الكويت ما كانت لتتم لولا موافقة قادة التحالف، والتنسيق معهم، بغية وجود مخرج سياسي، يُجنّب المنطقة ويلات حرب، وإن كانت قانونية المعنى والمبنى.
هل قلنا القصة الحوثية؟ نعم. كان لابد من معرفة قصة هذه المفاوضات الماراثونية، ولا نجد خير من يرويها مثل المستشار في الديوان الأميري محمد أبو الحسن، حيث استضافنا، ونحن مجموعة من الإعلاميين العرب، لنحو ساعة أو ما يزيد، وكان لابد بالطبع من حديث مستفيض عن السياسة والإنسانية.
المستشار الذي كان يتحدث من جناح أنيق دون بذخ، في القصر الأميري، روى لنا أن هنالك سعة صدر كويتية كبيرة خلال هذه المفاوضات، والتي تمت تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة، وتحملت الكويت كافة تكاليفها، رغم طول مدة التفاوض، وتعثره مرات كثيرة. كان أبو الحسن صريحاً وهو يقول إن الحوثيين كانوا سبب فشل هذه المفاوضات، بل كان واضحاً عدم امتلاكهم لقرار، فقد كان الهاتف وحده من يقرر خط سيرهم، وغالبا جهة المتصل من الخارج، في إشارة إلى إيران.
وفي منطقة تشتعل قال لنا أبو الحسن إن الخطر المقبل الذي لم ينته بعد هو الحرب الطائفية التي إن استمرت ستحرق المنطقة كلها.
ربما تكون السياسة مزعجة للكويت، كونها في إقليم مضطرب، لكنها لم تنس شكل المستقبل الذي ترغب به، وفي قاعة ملحقة بمكتبها قالت لنا وزيرة التخطيط إنهم لا يفكرون في العام 2035 فحسب، بل أيضاً 2050.
وبحماسة يشرح لنا الأمين العام للوزارة آلية الرقابة المتبعة لملاحظة أداء القياديين، ونسبة الإنجاز في المهام الموكلة لهم، تحت مظلة الرؤية الهادفة إلى أن تكون الكويت مركزاً مالياً، وتجارياً. وكانت تجربة لافتة، نظراً لأنه يمكن لصاحب القرار مراقبة الوزير عبر برنامج يمكن مشاهدته من الحاسب المحمول، أو حتى جهازه النقال.
نعم. إنها منطقة ساخنة حد الاشتعال، لكن الكويت لا تفكر في الحريق فحسب، بل في شكل المستقبل أيضاً!
* رئيس تحرير «الرياض بوست»