2016-09-23 

#مستشفى_سعد_التخصصي يدفع موظفيه للإضراب

سارة مطر

قال مرة أمبرتو إيكو المثقف الإيطالي الشهير، وصاحب رواية "اسم الوردة" التي حازت على نجاحاً منقطع النظير فور صدورها، وشهرته جماهيرياً وعالمياً، بأن الإنسان محتاج دوماً إلى ما ينهكه، لذا، فهو على الرغم من أنه يكتب روايات صعبة، إلا أن الناس تقبل عليها بكثرة،ك.

 

 

ويكشف السر قائلاً: لقد ملّ الناس الأشياء السهلة، إنهم في حاجة إلى تجربة متعبة، معقدة، تنطوي على تحديات كفيلة أن تشعرهم بالرضا عن أنفسهم وعن قدراتهم الفكرية، فالإنسان الذي تعود السير في الدروب الواسعة والمنبسطة، يشعر أحيانا بالرغبة في تسلق الجبال، التسلق متعب طبعاً، لكنه يجذب لأنه متعب، تلك هي اللذة التي تمنحنا إياها الأعمال الجيدة.

 

 

 

 

أنهدر حديث إيكو في رأسي وأنا أقلب أوجاع وأوضاع الشباب في السعودية، ليسوا وحدهم الرجال من يعانوا من عدم توفر فرص الأعمال الجيدة لهم، فالأوضاع تتساوى مع المرأة أيضاً، ولكن هل بالفعل ما يحدث للشباب من مواجهات غير منطقية أو منصفة في انقراض الفرص الوظيفية الفاعلة والمجزية مادياً؟

 

 

هل يعقل أن يتطابق فكر المؤسسات والشركات في السعودية، بما أشار إليه أمبرتو بأن اللذة تأتي في التعب؟ هل يمكن أن تكون هذه هي الاستبدادية الحقيقية؟

 

 

محبط ومزعج هذا الإيقاع المتلازم من عجز استيعاب سوق العمل السعودي للطاقات الشبابية، ليس مزعجاً فحسب بل قاتلاً أيضا، حتى بتنا أكثر إدراكا بعيداً عن الفسحات الضيقة من التسلية، في الكشف عن كيفية حياة وصراع الشباب من الجنسين في السعودية للفوز بلقب موظف، وأقرب مثال يمكن أن أطرحه أمام الجميع، قبول المعلمات للعمل في قرى ونجوع مختلف مدارس المملكة المترامية الأطراف، وليس هدف واحدة منهم الراتب الباهت الذي يضيع على إيجار البيت والسيارة والتموينيات الغذائية وتذاكر الطيران، ولكن الأكثر سخرية للقدر أنهن يفعلن ذلك من أجل إيجاد موقعهن الحقيقي في الحياة، وهو أيضا ما يندرج على الكثير من الشباب الذين يعملون في قطاعات مهنية خاصة، يتصبرون على رواتب زهيدة لا تكفي حاجتهم.

 

 

 

 

الأكثر ألماً حينما يعمل كلا الطرفين في منشأة سعودية كمستشفى سعد التخصصي، وهو يدرك أن الأوضاع الاقتصادية لمالك المستشفى ليست على ما يرام، وإن لديه عدد من المشاكل القانونية، ورغم ذلك يمتلئ المستشفى بأبطال من  الشباب السعودي، أنا أطلق عليهم مسمى الأبطال، لأنني سبق وأن التقيت بالعديد منهم، وقد كان الهدف من تمسكهم بالوظيفة التي حصلوا عليها، وعلى الأخص خريجي المهن الصحية، بغية منهم في الخبرة المهنية واستثمار ما تعلموه لسنوات طويلة في الجامعة أو في المعاهد، وحتى لا تتلاشى المعلومات والمهارة وسط غبار الفراغ الطويل.

 

 

 

ولكن هناك ثمة فارق عجيب في قضية مستشفى سعد التخصصي، هو في وضوح البطولة من كلا الجانبين رغم اختلاف تراكيب عناصرها، وللأسف أنها بطولة لا يمكن لنا إنكارها أو حجب حقيقتها، من دون أن نسعى لإثارة الحساسيات وغلبة طرف على آخر، مستشفى سعد التخصصي كان من أوائل المنشآت السعودية التي سعت لتوظيف السعوديين، مبتعدة عن الخط التقليدي لرؤية العديد من المنشآت في السعودية، والتي تجد في توظيف الأجنبي هو الاستثمار الحقيقي، لكن مستشفى سعد التخصصي ما أن افتتح أبوابه حتى رحب بالسعوديين والسعوديات أولاً، فعملوا في أعلى المناصب بدءاً من إدارة المستشفى إلى الطبيب والممرضة والمحاسب ومسجلين المواعيد وحراس الأمن، أما البطولة التي قادها الموظفون والموظفات هو في استمرارية ممارستهم لوظائفهم بجد واجتهاد لا نظير له، على الرغم من تعثر المنشأة في دفع رواتب الموظفين منذ عامين أو يزيد، وقد فضل الكثيرون البقاء والعمل في المستشفى، على أمل أن تنتهي أزمة رجل الأعمال صاحب المنشأة مع شركائه، على أن لا يظلوا حبيسي جدران منزلهم. 

 

 

 

زرت مستشفى سعد التخصصي عدد من المرات، وأكاد أجزم بأنه من أفضل المستشفيات في المنطقة الشرقية، حيث يتوفر فيه أفضل كادر طبي متمكن من القيام بمهام أعماله بشكل دقيق، وحتى طريقة التعامل من قبل الموظفين والموظفات تتسم باللطافة والمهنية، ولكن المشكلة التي لا أفهمها أن واحد فقط من أهم أقسام المستشفى كقسم الطوارئ يستقبل أعداداً كبيرة من المواطنين بشكل يومي وعلى مدار الساعة، وقيمة الكشف والأشعة تتجاوز الثلاثة آلاف ريال على أقل تقدير، لا يتمكن من دفع رواتب موظفيه، ولا يمكن أن نستثني أيضاً قسم الولادة الذي تتسارع السيدات من مختلف الطبقات الاجتماعية على الحجز به، نظراً للإمكانيات والترفيه الذي يجيده المستشفى، كل ما سبق وكتبته لا يمكن أن يعفي صاحب المنشأة ورجل الأعمال الشهير، من التهرب من دفع رواتب الموظفين والموظفات وعلى الأخص الوافدين الذين لا حول لهم ولا قوة!

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه