2015-10-10 

تنمية سيناء والصعيد؟!

عبد المنعم سعيد

إذا لم يحدث أمر نتحدث عنه صباح مساء، فإنه يدعونا لكى نتأمل ما الذى يجعله لا يحدث فى المقام الأول. السن والتجربة الآن تقطع أننى سمعت سنة بعد سنة وعاما بعد عام، وصدق أو لا تصدق، عقدا بعد عقد، عن ضرورة تنمية سيناء والصعيد. وأحيانا كثيرة كان يقال الأمر بكثير من الشجن، والرومانسية، فسيناء لها أشكال مختلفة من التقديس بعضها دينى، والبعض الآخر تاريخي؛ والصعيد هو أصل مصر ومنها جاء مينا موحد القطرين لكى يبدأ بلد الأكثر من خمسة آلاف عام، ولدى بعضنا يضاف جمال عبدالناصر رغم أنه عاش بين الإسكندرية والقاهرة. أيا من هذا لم يشفع للصعيد أو سيناء أن تتم تنميتهما، على الأقل بالدرجة التى وصلت إليها القاهرة والدلتا، ووجه بحرى بوجه عام، أما إذا اخترنا معيار دول أخرى أكثر تقدما فربما نكتفى أن كلنا فى الهم شرق. ولكن المشاركة فى الهم لا تكفى لتبرير أن الأقوال لا تتحول إلى أفعال، وإلى أن أقاليم فى مصر لا تحصل على نصيبها من الاهتمام الحكومى أو حتى الأهلى. السر فى ذلك ليس ببعيد، ولا يوجد فيه أى من المنافسة التاريخية بين «ممفيس» (الجيزة الآن التى هى جزء من القاهرة الكبرى) وطيبة (الأقصر كما سماها العرب) فى أيهما يكون المركز، ومن يقع عليه الحظ فى تمثيل الأطراف؟. ما هو موجود فى الحقيقة أن الكتلة السكانية الرئيسية فى مصر توجد ما بين القاهرة الكبرى والبحر الأبيض المتوسط، أساسا فى الدلتا والإسكندرية. وهى كتلة ليست بالضرورة من أهل الشمال وحدهم، بل إن الهجرة الواسعة من الجنوب، والأطراف فى سيناء والصحراء الغربية خلقت الخليط المصرى الذى يستأثر بالاهتمام من المستثمر الحكومى والآخر الأهلى، وعلى الأغلب من الأجانب أيضا ما لم يكن فى المكان سياحة أو نفط. وهكذا مهما كان الكلام من الساسة، والأغانى فى الإذاعة والتليفزيون، والاهتمام ساعة أعياد النصر فى سيناء، والتسلية فى الدراما أو الكوميديا الرمضانية بالنسبة للصعيد فإن الأمور تظل على حالها. فلا يمكن لحكومة عاقلة، وواقعية، أن تتجاهل الكتلة السكانية العظمى وضغوطها التى لا تتوقف على الموارد البشرية والمادية للوطن كله. العجيب أن جزءا من هذه الضغوط فى الماضى كان راجعا لأن كتلة السكان العظمى كانت هى الأخرى كتلة الإنتاج العظمي- نسبيا طبعا- أيضا من حيث نصيبها من الدخل المحلى الإجمالى. ولكن الحال الآن يتغير، فالكتلة السكانية جرفت الأرض أحيانا، وفقدت ميزتها التنافسية فى المحاصيل الزراعية كما قال لنا «نيوتن» ومحمود عمارة اللذان لا يزالان موضع التجاهل حتى الآن؛ على الأقل عند مقارنتها بالزراعة الصحراوية. وأكثر من ذلك فإن قلاعها الصناعية آخذة فى التراجع فى المحلة الكبرى وكفر الدوار، وحتى القطن فقدنا مميزاته التاريخية فى الدلتا، وربما كانت دمياط هى وحدها الصامدة حتى الآن. الإنتاج، والدخل القومى يأتى من مكان آخر، من الصحراء حيث المعادن والآن الزراعة الذكية، وعلى الشواطئ حيث السياحة، وفى قرى ذكية يمكن أن تقام فى أى مكان. ربما يكون الأوان قد جاء لكى تستقر الصناعة المتقدمة حيث توجد كتلة الاستهلاك الكبرى فى الدلتا، بينما تنتقل الزراعة إلى مكان آخر أكثر إنتاجية وأقل استهلاكا للمياه. هل لدينا الشجاعة لكى ننظر إلى مصر نظرة مختلفة، أم أن الإرهاب سوف ينجح فى صرفنا عن إقامة تنمية متوازنة تعطى لكل إقليم ما يستحق من اهتمام؟ *نقلاً عن "المصري اليوم"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه