يعد تواصل إمتناع شركة أرامكو السعودية للشهر الثاني على التوالي في تزويد مصر بالمخصصات النفطية المتفق عليها آخر حلقات مسلسل الخلاف السعودي المصري غير المعلن، وسط مؤشرات تفيد بأن خلاف الحليفين الإقليميين أصبح بالفعل مهددا خاصة في ظل إصرار القاهرة على إستفزاز أكثر داعميها نفط ومالا.
قناة دوتشي فيله الألمانية أكدت في هذا السياق ان توقف المساعدات النفطية السعودية لمصر دون تقديم أي أسباب لهذا القرار يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن ما يفرق الرياض والقاهرة يفوق بكثير ما يجمعهما في الآونة الأخيرة، غير أن إنقلاب فصل الود بين الحليفين إلى فصل جدب وتوتر بين الحليفين فتح التساؤل على مصرعيه حول أسباب تحول ربيع العلاقات السعودية المصرية إلى شتاء قاحل.
القناة الألمانية أضافت في هذا الإطار أن صحيفة هاندلسبلات الألمانية أشارت إلى أن الفتور الذي طغى على العلاقات بين البلدين يعود بالأساس إلى سياسة الرئيس المصري الخارجية، حيث أدارت حكومة السيسي بظهرها للتوافق العربي ولتعهداتها مع الرياض، بعد تلقيها لمساعدات مالية كبرى من السعودية ودول الخليج الأخرى التي قامت بتحويل نحو 30 مليار يورو إلى القاهرة لإنقاذ الاقتصاد المصري من الانهيار.
وتشير الصحيفة إلى أن الغضب السعودي من حليفها الاقليمي الذي أغدقت عليه مالا ونفطا ودعما سياسيا له ما يبرره، بما ان القاهرة ووفق المنظور السعودي إنقلبت على تعهداتها مع الرياض على أكثر من مستوى.
ومن ذلك موقفها من الأزمة السورية فبدلا أن تعمل القاهرة على مساندة السعودية في إسقاط الرئيس السوري كإحدى الخطوات الكفيلة بإنهاء الصراع الدامي في سوريا، يرى السيسي في بقاء نظام الأسد أحد النقاط التي يمكن البناء عليها لحل الأزمة السورية، وهو ما تجلى في تصويت مصر لصالح مشروع قرار روسي في مجلس الأمن حول الوضع في سوريا، تعارضه السعودية.
تصويت رأت فيه السعودية إستفزاز وإنقلاب من مصر على الثوابت والتوافق العربي حيث أكد مندوب السعودية في مجلس الأمن عبد الله المعلمي حينها بأن تصويت مصر لصالح مبادرة روسيا في مجلس الأمن كان مؤلما خاصة في ظل دول مثل السنغال وماليزيا للتوافق العربي.
.
ولا تعد سوريا النقطة الخلافية الوحيدة بين السعودية ومصر، حيث لم تجد السعودية مبررا لإقتصار المشاركة المصرية في التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن على الدعم اللوجستي بدلا من القتال إلى جانبها رغم ما توفره لها من دعم سياسي وإقتصادي .
ومازاد الطين بلة من المنظور السعودي أن السيسي "بدلا من العمل على الحد من توسع النفوذ الإيراني في المنطقة، يتطلع الى اقامة علاقات طيبة مع إيران"، وفق صحيفة هاندلسبلات.
التقرب المصري من إيران، منافس وغريم السعودية في الشرق الاوسط ،نقطة خلافية أخرى زادت في تعميق الخلاف بين القاهرة والرياض ، حيث أثارت محاولات التقرّب المصرية من إيران حفيظة السعودية، وفي هذا السياق أكد الكاتب السعودي البارز جمال خاشقجي لوكالة فرانس برس "مصر لا ترى خطر الإيرانيين" الذين يدخلون في صراع إقليمي محموم مع السعودية بتأييدهم لبشار الأسد في سوريا والحوثيين في اليمن.
أما التحفظات المصرية على سياسة السعودية الخارجية فيتمثل في التقارب السعودي التركي، حيث لا يروق هذا التقارب للسيسي الذي لم يتوانَ عن إظهار أن أولوياته تختلف عن أولويات السعودية.
وهو موقف عبر عنه بوضوح محمد أبو الفضل، وهو صحفي مصري ونائب رئيس تحرير جريدة الأهرام، حيث كتب في مقال نشرته صحيفة العرب اللندنية قبل أسابيع قائلا: "ثمة تباين في الرؤى المصرية والسعودية، حول قضايا سوريا واليمن وليبيا، والموقف من التعامل مع كل من إيران وتركيا (...) ولكل بلد سياساته وحساباته التي تخدم مصلحته، شريطة عدم الإضرار بمصلحة الآخر." .
إلى ذلك دعا الكاتب السعودي جمال خاشقجي بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية – إلى ضرورة أن تتجاوز السعودية ومصر خلافاتهما من أجل مصلحتهما ومصلحة المنطقة، حيث كتب في تغريدة الأسبوع الماضي قائلا: لعل في فوز ترامب حافز ان نتحد ونطوي صفحات خلافات ومكايدات انهكتنا ، نحتاج لذلك امام رئيس أمريكي يرانا جميعا خصوما له ولبلده ومجرد " كاش".
هذا و تختم الصحيفة الألمانية تحليلها بالاشارة الى أن السيسي "وجد نفسه مجبرا على دفع ثمن باهض لسياسته الخارجية" التي لا تتماشى مع المصالح السعودية،وسط سيل من الأسئلة التي تطرح بنفسها بقوة حول قدرة التحالف السعودي المصري على الصمود في ظل هذه الهزات وإقدرة دول الخليج الأخرى وتحديدا الإمارات على كسر هذا الجمود وإعادة الأمور إلى نصابها بين الرياض والقاهرة.